كتب
سرمد الطائي: الأماني تزدحم في قلوب البلدان السعيدة والحزينة ونحن ندخل آخر شهور السنة. إلا أن للأمنيات
العراقية هذه المرة لونا وطعما مختلفين.
قبل سنة من هذا التاريخ، كنا نضع أيدينا على قلوبنا خوفا من الحرب. كان مختار العصر يهدد بـ"حرق خيم المعتصمين"وكان المتعقلون يصرخون في آخر لحظات الشوط الحاسم من الخراب: إياك أن تفعلها، لأنك ستقدم خدمة جليلة لألف متشدد يريدون هدم كل شيء. لم ينصت وتعلقت نزوته بالخيام، ولم يهدأ إلا أن تعسف وأسرف وجعلنا نخسر الأنبار، ثم قام بتحويل مئات آلاف العراقيين إلى نازحين في خيام، تقول الأمم المتحدة إنها ستتعرض للانجماد مع بدء موسم الثلوج في أطراف
دهوك، حيث يقيم معظم النازحين.
نعم، موسم الثلوج يوشك أن يبدأ حسب إنذار تطلقه الأمم المتحدة. أيها المتجمدون في خيامكم، هل تتذكرون
أمنيات العام الماضي، الذي كان أخف آلاماً وأكثر وعداً بالمستقبل؟!
الكثير من الجالسين في الخيام المتجمدة، يتذكرون الآن، أننا في مثل هذا الوقت من السنة الفائتة، كنا نأمل ألا تنزلق الأمور، وأن تسرع صناديق الاقتراع بالتغيير، ليتاح نهج إدارة حكيم، يدير الخلاف المشوه بنحو أقل كلفة، لكن حماقات السلطة وجنون داعش سبقا كل شيء، وأطاحا بأحلام كثيرة، ولم يعد في وسع الناس وهم يتجمدون كنازحين، سوى أن يحلموا بتخفيف البرد.. تخفيف الكارثة السياسية والعسكرية.
النازحون هربوا من سخونة المدافع والراجمات وسكاكين الذباحين، فاحتجزهم برد الشتاء، وهالهم تجمد مشاعر الكثير من ممثلي الطبقة السياسية الذين لم يكونوا قدر مسؤولياتهم، ولم يساعدوا الجمهور على تنظيم الأفكار بشكل مفيد، وبدل أن ينسجوا خطابا متوازنا، راحوا ينخرطون في الصراخ والصراخ المضاد، حتى ضيعوا حق الناس، وكبدوا أنفسهم وأهليهم، خسائر لن يمكن تعويضها بسهولة، طوال ربع القرن المقبل.
لكن في وسعنا ونحن نحاول فتح باب الأمنيات الموصد بثلوج المخيمات، ونحن نشعر بالعار عن عجزنا تخفيف محنتها، أن نفكر كذلك ببعض ما تحقق طوال الأسابيع الماضية. الأصدقاء في جلسة سمر كانوا يشاهدون حديث حيدر العبادي في البرلمان نهار الأحد، بعد لقاء جمع رئيس البرلمان به وبرئيس حكومة الإقليم نيجيرفان بارزاني، وحرص العبادي على توضيح معنى الاتفاق مع أربيل وعدم وجود مبرر لمهاجمته، ثم حديثه الصريح عن"أول دفعة"من الفساد المكتشف في المؤسسة العسكرية: خمسون ألف فضائي!
لم يعلق الأصدقاء كثيرا على هذا الرقم الذي كانت لجنة الأمن والدفاع في البرلمان السابق تتحدث عنه، بينما أنصار المالكي يتهمونها بمعاداة "مختار العصر" وتشويه بطولات الجيش. لم نعلق على ذلك كثيرا، لكن ما أثار اهتمامنا هو أن العبادي وكذلك وزير النفط عادل عبدالمهدي، وضعا لأول مرة تقليد الذهاب للبرلمان، لمرات كثيرة في شهر واحد، وصار بإمكاننا أن نرى عملية قلب لمعادلة العلاقة بين الحكومة ومجلس النواب. فبدل استعداء البرلمان يكتشف العبادي وعبدالمهدي اليوم أن في وسع الحكومة أن تحتمي بالبرلمان وتمنح الشرعية لجهودها، دون أن ترى فيه عدواً غير مؤهل لحوار، لأن العجز عن الحوار مع مجلس النواب، تحول في زمن المالكي إلى عجز عن الحوار مع الأكراد ومع السنة، بل ومع الشيعة أنفسهم. بينما نجاح الحكومة في عرض الأمور بوضوح أمام النواب اليوم، هو الذي منح العبادي شرعية أن يحاور أربيل ونينوى والبصرة، ويطمح لتطبيع علاقاتنا مع أنقرة والرياض.
إن أمامنا فرصة كبيرة ونحن ننزف في الخنادق، أو نتجمد في خيام دهوك، لتصحيح مفاهيم الحكم والسلطة.. وبناء تقاليد جديدة لإدارة الخلاف.
إنه مسار في وسعه أن يتعزز، وهو لا يحتاج إلى"عبقرية كبيرة" كما عبر هوشيار زيباري قبل أيام. وهو مسار أمل، في وسعه أن يشيع دفئاً رمزياً بين اليائسين الذين يتجمدون في مخيماتهم هذا الشتاء.
(صحيفة المدى العراقية)