يتهيأ اللاجئون السوريون في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، وبعضهم مقبل على الشتاء الرابع في المنفى، للبرودة القارسة والجوع، بل وعداء متزايد من السكان المحليين.
ويعمل
لبنان والأردن على تشديد الرقابة على حدودهما لوقف موجة
اللاجئين الذين يحاولون الفرار من
سوريا، في حين يهدد طوفان اللاجئين بالإخلال بالتوازن الاجتماعي الدقيق في
تركيا التي لقيت إشادة واسعة لاستقبالها حوالي نصف السوريين الذين خرجوا من بلادهم والبالغ عددهم 3.2 مليون لاجئ.
يتساءل حسين عبد الله (30 عاما) الذي يعيش في حجرة رطبة شديدة البرودة في حي الحاج بيرم بأنقره؛ عما إذا كان من الأفضل له أن يموت هو وأولاده الأربعة في مدينة حلب بدلا من الانتقال إلى حياة الفقر والعزلة في تركيا.
وقال قبل أن يخرج للاطمئنان على سيارته في الشارع أمام البيت، إذ إن مجهولا ألقى حجرا على زجاجها قبل ثلاثة أيام: "الأمور تزداد تباعدا بين الأتراك والسوريين. ولم يعد لأحد صبر على التعامل مع الآخر".
وتتنامى مظاهر العداء من هذا النوع بين السكان المحليين واللاجئين في مختلف أنحاء المنطقة. فقد ازدادت الاعتداءات على السوريين في لبنان، حيث يمثل اللاجئون ربع السكان، وفي الأردن يشكو المواطنون الغاضبون من منافسة اللاجئين لهم على فرص العمل.
وتقول الأمم المتحدة أن عددا يصل إلى 100 ألف لاجئ سوري عادوا إلى بلادهم من الأردن بدلا من مواجهة التمييز والعوز.
وكان البقاء في الأردن هو قرار عبد الهادي زامل، الذي ولد له طفل في مخيم للاجئين حيث تشير طرق غطيت حديثا بطبقة من الأسفلت وأعمدة الإنارة إلى احتمال أن يكتسب وجود اللاجئين في الظروف القاسية صفة الدوام.
قال زامل: "فرق كبير بين ولادة ابننا في بلده وولادته هنا، في مثل هذه الظروف البائسة وهذا الجو البارد. البرد ينهشنا فما بالك بالطفل الرضيع".
"خذهم وارجع"
يعد حي الحاج بيرم من أكثر أحياء العاصمة التركية حرمانا من الخدمات. وفيه تجري إزالة المباني المهدمة. أما المباني الباقية والتي تتناثر حولها الأنقاض، فيشغلها أتراك فقراء أو أنها مؤجرة لنحو 300 أسرة سورية تعيش في الحي. وفي كثير من الأحيان يشترك 75 فردا في استعمال دورة مياه واحدة.
ومثل كثير من اللاجئين السوريين، لا يتحدث عبد الله الذي كان عامل بناء اللغة التركية، ما يحدّ من فرصه في العثور على عمل. وإذا حالفه الحظ، كسب 400 ليرة (180 دولارا) من نقل صناديق الفاكهة لسداد الإيجار وشراء الطعام. وفيما عدا ذلك يلجأ هو وأسرته للاستجداء، ما يثير حنق جيرانه من الأتراك.
ويقول عبد الله: "طبعا في مشاكل. لكننا نحتاج من الشعب التركي أن يتجاهلها قليلا.. بلدنا دمر. وما عندنا خيار".
ويتهم أتراك غاضبون اللاجئين بضعف اهتمامهم بالنظافة العامة وبالتبول في الشوارع وتعاطي المخدرات والشجار والسرقة. ويحمل هؤلاء حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان المسؤولية.
ورغم التعاطف الكبير مع محنة اللاجئين السوريين، فهو ينصبّ في الأساس على من بقوا في سوريا أو في المخيمات التي أقامتها السلطات التركية قرب الحدود.
وقال تركي يقيم في الحي اسمه محمد بلجي: "في 76 سنة عشتها هنا لم أعرف مثل هذه المشاكل... اردوغان جلبهم لنا هنا. والآن عليه إعادتهم".
وأنفقت تركيا أكثر من أربعة مليارات دولار على المساعدات، وهي تشكو من قلة المساعدات الدولية. لكن ضخامة أعداد اللاجئين تؤكد أن كثيرين منهم يعيشون في ظروف بائسة، دون أن يتاح لهم التعليم أو الرعاية الصحية.
وذكرت تقارير هذا الشهر أن مدينة أنطاليا الساحلية طلبت موافقة خاصة على منع اللاجئين السوريين تماما، خشية أن يلحق وجودهم الضرر بصناعة السياحة.
أعداد مخيفة
ولم يحاول الزعماء الأتراك إخفاء رغبتهم في إعادة بعض السوريين لبلادهم، ودعوا إلى إقامة "منطقة آمنة" داخل سوريا تتمتع بحماية دولية لاستيعاب اللاجئين.
وقال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة هذا الأسبوع إنه سيوقف مساعداته لما يصل إلى 1.7 مليون لاجئ في مختلف أنحاء المنطقة بسبب نقص التمويل.
ويقيم نحو 225 ألف لاجئ في تركيا حاليا في مخيمات مزدحمة تديرها الحكومة، كما أن تشريعا مؤقتا وافقت عليه الحكومة الشهر الماضي سيمنح اللاجئين الحماية القانونية في حالة إقراره.
وفي إطار حملة لتسجيل اللاجئين في تركيا، بلغ عدد من تم تسجيلهم نحو 1.2 مليون لاجئ، لكن نصف مليون لاجئ آخرين ما زالوا غير مقيدين في السجلات، بل ويرفض بعضهم التسجيل خشية أن يعرقل ذلك مساعيه للجوء في أوروبا.
وقال جان كريستوف بيجون، رئيس قسم تركيا بالإدارة العامة للمساعدات الإنسانية والحماية المدنية بالمفوضية الأوروبية: "الواقع أن العبء كبير عليهم (الحكومة التركية)." وتنبأ بازدياد العبء المالي والاجتماعي في مختلف أنحاء المنطقة، قائلا: "الأرقام مخيفة وسيستمرون في التدفق".
وفي مخيم المصنع للاجئين في لبنان، أدت الأمطار في الآونة الأخيرة إلى انسداد مصارف بدائية، وإغراق البيوت والأمتعة بالمياه التي كادت درجة حرارتها تبلغ درجة التجمد.
وقال أبو محمد وعلى وجهه علامات اليأس: "الماء كان ينهمر علينا من فوقنا ومن تحتنا. الحشية تبللت بشدة". وأضاف: "لو كان أحد يهتم بنا لما حدث ذلك".
الزعتري على تويتر
وفي نشاط غير مسبوق على موقع تويتر، ينقل مخيم الزعتري للاجئين السوريين في الأردن أحداثه ومشاكله إلى العالم بالصور والفيديو ورسائل قصيرة لا تتجاوز 140 رمزا.
وورد في آخر تغريدة على حساب تويتر الخاص بالمخيم الذي أقيم قرب الحدود مع سوريا: "مع نفاد مساعدات برنامج الأغذية العالمي، سيعاني 1,6 مليون لاجئ سوري من رجال ونساء واطفال من الجوع"، ما أثار الكثير من ردود الفعل الداعمة.
ووجه برنامج الأغذية العالمي نداء لجمع التبرعات بصورة عاجلة بهدف جمع 64 مليون دولار على الفور، للتمكن من مساعدة اللاجئين السوريين في الدول المجاورة في كانون الأول/ ديسمبر.
وفي مخيم الزعتري في الصحراء، تدنت درجات الحرارة ليلا إلى 9 درجات مئوية أو حتى 5 درجات في الأيام الماضية، فيما يقيم غالبية اللاجئين في عربات نقالة أو حتى خيم.
وأوضح نصر الدين طوايبية، العامل في مفوضية الأمم المتحدة العليا للاجئين، والذي فتح هذا الحساب في تشرين الأول/ اكتوبر 2013: "نحن أول مخيم له حضور على شبكات التواصل الاجتماعي. هذه طريقة للوصول إلى الناس مباشرة، وتذكيرهم بأن هذه المأساة لم تنته، وأننا بحاجة إلى مساعدة"، حسب قوله لوكالة لفرانس برس.
من بين سكان المخيم البالغ عددهم حاليا 81500 شخصا، 57 في المئة تحت سن 18 عاما، بحسب المفوضية. وأوضح طوايبية أن أغلبية سكان المخيم من العائلات، وبينهم الكثير من الأمهات بمفردهن مع الأولاد لأن "الرجال بقوا في أغلب الحالات في سوريا أو ماتوا".
افتتح المخيم، الذي يقع في محافظة المفرق شمال الأردن، على مقربة من الحدود السورية، في آب/ أغسطس 2012، وبات مع حجمه في صيف 2013 بمثابة المدينة الرابعة في الأردن مع احتوائه نحو 200 ألف لاجئ.
وتشهد على توسع المخيم صورتان عبر الأقمار الصناعية نشرتا جنبا إلى جنب على الحساب في 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013. وفي الأولى بدا عدد قليل من الخيم وسط منطقة صحراوية شاسعة، وفي الثانية اكتظت المساحة نفسها بالخيم والحاويات المتلاصقة.
وأوضح طوايبية أن "الهدف من الصورتين هو أن يدرك الناس حجم هذا المكان الذي يلجأ إليه الهاربون من النزاع السوري، وتوفير نافذة مفتوحة دوما على قصص اللاجئين وظروف حياتهم".
عبر هذه الكوة يمكن مشاهدة محل بائع فلافل على "جادة الشانزيليزيه"، الشارع الرئيسي في المخيم الذي حصل على تسميته من عاملين فرنسيين في هيئات إنسانية.
كما يمكن مشاهدة صور حفل زواج عقد في المخيم، والاطلاع على ولادة عائشة، المولودة رقم 1000 في إحدى عياداته، ورؤية كيف حول حِرَفيٌّ بقايا عربة إلى سرير زوجي. ويمكن كذلك التعرف إلى لمى البالغة 10 سنوات، في صورة بكنزة وردية، وهي تروي أنها كانت تريد أن تصبح معلمة قبل قصف مدرستها واضطرارها إلى مغادرة سوريا.
في 10 كانون الثاني/ يناير وردت رسالة على حساب المخيم تؤكد أنها عادت إلى الدراسة في إحدى مدارس المخيم الـ11. وأكد طوايبية "أنها مصدر فخر كبير لنا"، مضيفا ببساطة ان "الحياة تستمر في الزعتري".
وأرسلت مدينة امستردام الهولندية مئات الدراجات الهوائية إلى اللاجئين السوريين في الزعتري على أمل التخفيف من مشكلات النقل في المخيم الشاسع.