لا تزال الطفلة رحمة ابنة الثماني سنوات تتلقى علاجا نفسيا لتجاوز صدمة اغتصابها قبل شهرين في
مصر حيث تضاعفت الاعتداءات على الأطفال الذين يتعرضون لأشكال مختلفة من
العنف الجسدي والجنسي خصوصا.
وتزايدت معدلات العنف
ضد الأطفال في مختلف محافظات مصر في 2014 مقارنة بالأعوام الثلاثة الماضية وسط دوامة من العنف السياسي في المجتمع وتراجع اهتمام الحكومة بملف الأطفال، بحسب خبراء وأرقام رسمية.
يشكل الأطفال قرابة 20% من سكان مصر، أي حوالي 17 مليونا من إجمالي 87 مليون نسمة.
ويشمل ذلك من هم تحت سن 18 عاما، بحسب المجلس القومي للأمومة والطفولة.
تعرضت رحمة التلميذة في الصف الثالث الابتدائي لاغتصاب في أيلول/ سبتمبر الماضي على يد شاب فيما كانت عائدة من حقل زراعي قرب منزل أسرتها في محافظة كفر الشيخ في الدلتا (قرابة 150 كم شمال القاهرة).
وبألم وحسرة، تقول شقيقتها أميرة لفرانس برس إن "الاعتداء أفقد شقيقتي عذريتها ودمر مستقبلها".
وتتبع رحمة جلسة علاج نفسي كل أسبوع. وتضيف شقيقتها بأسى "الأصعب حاليا هو تجاوز الآلام النفسية. رحمة لا تستطيع مجرد المرور من منطقة الحادث".
وأوقفت الشرطة الشاب الذي يحاكم حاليا بتهمة
الاغتصاب التي قد تصل عقوبتها إلى الإعدام . وتؤكد تقارير المجلس القومي للطفولة والأمومة الحكومي ازدياد الاعتداءات ضد الأطفال بنسبة 55% في العام 2014 مقارنة بالأعوام الثلاثة الأخيرة.
وبحسب هذه التقارير، وقعت 1023 حادثة اعتداء على أطفال منذ بداية 2014 وحتى نهاية تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، بينها 131 حالة اغتصاب لأطفال من الذكور والإناث و118 حالة قتل في حين بلغ معدل الاعتداءات ضد الأطفال خلال الأعوام الثلاثة السابقة 660 اعتداء سنويا.
ويقول أحمد حنفي أخصائي الصحة النفسية بالمجلس القومي للطفولة والأمومة إن "زيادة حالات العنف في 2014 ترجع إلى غياب العقاب الرادع وملف الأطفال ليس من ضمن أوليات المجتمع" في الوقت الراهن.
العنف يولد العنف
وترجع عزة كُريم أستاذة علم الاجتماع أسباب تصاعد العنف ضد الأطفال إلى ما تسميه عدوى العنف في المجتمع.
وتقول كُريم "المجتمع يشهد ممارسة عنف من الجهات المسؤولة وهو ما ينعكس على مختلف الأفراد والجهات. العنف يولد العنف"، في إشارة إلى العنف السياسي المستمر في مصر منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك عام 2011.
وبالنسبة لكُريم فإن الأطفال "هم الحلقة الأضعف لذلك فإن الأكبر منهم يفرغون فيهم الضغوط التي يعانون منها وأي شعور بالظلم قد يعتريهم".
ويشير هاني هلال الأمين العام للائتلاف المصري لحقوق الطفل وهي منظمة غير حكومية إلى أن "الأطفال معرضون للخطر في كل الأماكن في مصر".
ويتابع "إنهم يتعرضون للقتل والتعذيب والاغتصاب في المدارس ومؤسسات الرعاية والشارع بل حتى في أسرهم المفترض أن تشكل الأمان والحماية لهم".
وخلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وثق المجلس القومي 300 اعتداء على الأطفال قتل فيها 23 طفلا، بينهم 13 على يد آبائهم أو أمهاتهم، واغتصاب 27 طفلا وطفلة.
وتحتل المدارس صدارة الأماكن التي يتعرض فيها الأطفال للعنف الجسدي وخصوصا
الضرب إذ سجلت فيها 50% من الحالات تليها دور رعايا الأيتام ثم الشارع والعنف الأسري، بحسب تقارير المجلس القومي للأمومة والطفولة.
إهمال حكومي
الإهمال أيضا كان وراء مقتل طفلين على الأقل في المدارس الحكومية خلال الشهرين الماضيين أحدهما قتل بسبب سقوط باب مدرسته فوق رأسه والثاني لسقوط لوح زجاجي عليه.
ويقول هلال "وضع الأطفال يتجه من سيء إلى أسوأ اهتمام الدولة الأكبر بالأمور السياسية على حساب ملف الأطفال".
ويشكو والد الطفل محمد أحمد (8 سنوات) من غياب اهتمام الدولة بابنه الذي يرقد طريح الفراش واجما وقليل الكلام إثر محاولة ثلاثة مراهقين اغتصابه والاعتداء عليه بقسوة.
وبدلا من أن تكون دور الأيتام حصنا لحماية الأطفال، فإنها كانت مسرحا لكثير من الاعتداءات الجسدية والجنسية المسجلة خلال الفترة الماضية ضد الأطفال عبر البلاد.
ويشير هلال إلى أن الكثير من حالات الاعتداء على الأطفال لا يتم تسجيلها إذ أن الأهل يمتنعون عن إبلاغ السلطات عنها حفاظا على صورتهم في مجتمع تحكمه تقاليد قاسية.
وفي أيلول/ سبتمبر الفائت، عوقب مدير دار للأيتام في القاهرة بالحبس 3 سنوات بعد إدانته بممارسة العنف مع الأطفال.
وانتشرت مقاطع فيديو على مواقع التواصل للمدير وهو يضرب أطفال الدار بعصا بقسوة وسط صرخاتهم العالية.
وأحيل مسؤولون للمحاكمة بتهم الاعتداء الجنسي على الأطفال في دار أخرى للأيتام في الإسماعيلية شمال شرق القاهرة، بحسب مصدر أمني.
وبالنسبة لانتصار السعيد مديرة مركز القاهرة للتنمية وحقوق الإنسان غير الحكومي فإن "القانون ليس دائما رادعا وهو ما يجعل تلك الاعتداءات قابلة للتكرار".
وتسجل ظاهرة اختطاف الأطفال الآن في مصر نسبا مرتفعة ومقلقة للآباء مع توثيق 211 حالة خطف في العام 2014، نتيجة للانفلات الامني وعدم الاستقرار السياسي بحسب خبراء.
ويشير حنفي إلى ارتباط الأمر "بعصابات الإتجار في البشر وبيع الأعضاء البشرية أو الخطف للحصول على فدية".
ولا تتوفر تقارير دقيقة قبل 2011 عن ظواهر العنف المتصلة بالأطفال، فيما بدأ المجلس القومي للأمومة والطفولة بإصدار تقارير شهرية منذ بداية 2014.
وهذا ما جعل أولياء الأمور أكثر حذرا وقلقا خشية تعرض أبنائهم لانتهاكات مماثلة.
ويعبر محمد شلبي (32 عاما) وهو أب لثلاثة أطفال أكبرهم عمره 8 سنوات عن قلقه بقوله "أصبحت أكثر قلقا مؤخرا. لا أدع أبنائي يخرجون من المنزل بمفردهم. ولا أشعر بالارتياح إلا عندما أراهم في المنزل".