يقول ريتشارد سبنسر: "في سورية يتغير الجلاد، ولكن
التعذيب يبقى كما هو، فالسجون التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية تستخدم أساليب التعذيب نفسها، التي مارسها نظام بشار
الأسد على ضحاياه".
وفي تقرير نشره سبنسر في صحيفة "ديلي تلغراف"، جاء فيه إن الجلاد يستخدم أساليب معروفة للسوريين، فقد يطلب "الكرسي الألماني" لتعذيب الضحية، أو "العجلة" أو "السجادة الطائرة"، ولكن أكثر وسيلة مفضلة للجلادين هي "الشبح"، وهو أسلوب يقوم على تعليق الضحية من يديه وتركه معلقا في الهواء.
ويضيف الكاتب أنه في بعض الأحيان فإن ضحايا النظام هم أنفسهم ضحايا
تنظيم الدولة. ومن بينهم ثلاث ضحايا ليبراليين من مدينة
الرقة، التقاهم الصحافي في مدينة غازي عينتاب. وهم جيمي شاهينيان، الذي سجن في سجون النظام، وشُبح كل أربعة أيام خلال أربعة أشهر من سجنه. أما الثاني فهو حازم حسين، الذي عذبه تنظيم الدولة الإسلامية. أما الثالث فيعيش في المنفى خائفا، وطلب أن يُسمى سمير، وقد لقي التعذيب من النظام السوري وتنظيم الدولة الإسلامية.
ويبين التقرير أن سمير حتى بعد هروبه من الرقة، لا يزال يرتعش بطريقة لا يمكنه السيطرة عليها، ويأمل بالحصول على تأشيرة هجرة لدولة غربية؛ حتى يتلقى علاجا طبيا.
وتنقل الصحيفة عن جيمي قوله إنه لم يستطع الشعور بيديه اللتين خرجتا من مكانهما، لم يستطع الشعور بهما إلا بعد أربعة أشهر.
ويتابع جيمي "في ذلك الوقت شعرت بأنني سأموت، في الحقيقة كنت متأكدا أنني سأموت، وأقول لك، عندما تكون هناك فأنت تتمنى الموت".
ويشير التقرير إلى أنه بعد اندلاع الثورة، التي تحولت من سلمية إلى عسكرية، وبروز الجهاديين، أجبر المتظاهرون الذين بدأوها على التنحي والخروج، وانتقلت السلطة من يد جلادي النظام إلى جلادي تنظيم الدولة الإسلامية، وكان التغير أكثر وضوحا في الرقة.
ويوضح الكاتب أنه حتى بداية العام الماضي كانت الرقة في يد النظام، وبعيدة عن القتال، لدرجة أصبحت فيها ملجأ للعائلات الهاربة من حمص إلى حلب. وتعيش في المدينة غالبية مسلمة مع أقلية أرمنية، ولديها سمعة جيدة بكونها منفتحة بين مدن محافظة في منطقة الشمال.
ويتابع سبنسر أن الناشطين الليبراليين، وبينهم جيمي وحازم وسمير، الذين كانوا في مدينة الرقة، عانى الكثير منهم، وفقد جيمي أبناء طائفته من الرقة، وبدأ بعضهم يرى في النظام حاميا له.
ويروي الكاتب أن جيمي اعتقل في أيار/ مايو 2011 عندما كان يطبع منشورات معادية لنظام بشار الأسد، واعتقل مرة أخرى في أيلول/ سبتمبر 2011، لكن التعذيب وصل إلى ذروته في حزيران/ يونيو العام الماضي عندما ذهب إلى دمشق، حيث اعتقل في فرع فلسطين المعروف بين السوريين بالتعذيب، التابع للاستخبارات الجوية، وبقي فيه 137 يوما. وكانت الزنزانة الضيقة مكتظة بالسجناء لدرجة مات اثنان خنقا.
ويواصل التقرير أن جيمي تعرض للشبح من يديه المقيدتين للخلف، وعلق في الهواء، ما وضع ضغطا شديدا على فقرات الكتف. ومع هذا الأسلوب استخدم الجلادون أيضا "الكرسي الألماني"، حيث كان يقيد المعتقل بكرسي ثبت ظهره بطريقة تؤدي لآلام في ظهر المعتقل، خاصة عموده الفقري.
ويقول جيمي للصحيفة "لقد علقوني في الهواء من كرسي معلق من أرجله، وقاموا بهذا كل أربعة أيام، وهذه هي الطريقة التقليدية لتعذيب الشعب السوري، وكانوا يتركوننا في هذا الوضع لساعات قد تطول إلى 12 ساعة".
ويلفت التقرير إلى أنه في الربيع الماضي شهدت مدينة الرقة حرية لم تعمر طويلا، حيث قام الجهاديون مع عدد من المقاتلين بتحطيم دكاكين الكحول والكازينو الوحيد في المدينة، وقاموا برفع العلم الأسود فوق مقر حاكم المحافظة، الذي أصبح مقرا لجبهة النصرة، التي تمثل القاعدة في
سوريا، وبعدها تنظيم الدولة الإسلامية.
ويذكر سبنسر أنه في الوقت الذي فتحت فيه السجون، وخرج منها الناشطون، الذين كان بعضهم ينتظر الموت، شكلوا لجنة حقوق إنسان "حقنا"، وبدأوا محطة للإذاعة ووكالة أنباء، وشجع الناشطون السكان على بناء اقتصاد الثورة، واستخدام أسطح بيوتهم من أجل زراعة الطماطم وغيرها من الخضراوات.
ويفيد التقرير أن التجربة استمرت لأربعة أشهر، حتى انقسم الجهاديون بين أنفسهم، وطرد تنظيم الدولة مقاتلي النصرة من المدينة، ومن هنا هرب ناشطون فيما بقي آخرون.
ويقول حازم للصحيفة "لقد قالوا لي أنني كافر وضد الشريعة مع أنني سني، كان لديهم مشروعهم الخاص حول الشريعة، كانوا يعتقدون أن لا فرق بيننا وبين النظام".
وتصف الصحيفة المشهد أنه كان في يوم يسير في شارع من شوارع الرقة الخالية من المارة، باغته ثلاثة مسلحين من الخلف وأشهروا مسدساتهم وكلاشينكوفات ووضعوها فوق رأسه، يقول "كل ما كنت أفكر به هو الألم"، فقد مر بتجربة الشبح في سجون النظام "لا تستطيع التفكير بأي شيء سوى الألم، ويجب عليك الصبر، فقد كان بيدهم قطع رأسك، وتعرف أنهم سيفعلون". وتنقل حازم من سجن إلى آخر. وتتحدث منظمة أمنستي إنترناشونال عن خمسة أماكن منها منشأة نفط استخدمت مركز معتقلات، وانتهى حازم في زنزانة مع شخص آخر.
ويكشف التقرير أن سمير كان يتعرض للشبح كل أربعة أيام. وكانت التهمة الموجهة إليه هي مساعدة الأميركيين والأتراك ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وتعرض لتعذيب إضافي، وهو الضرب بالعصي الكهربائية عندما كان مشبوحا من السقف.
وتورد الصحيفة أن القيود تركت في يدي سمير وهو مشبوح لعشر ساعات، وترك مرة معلقا ثلاثة أيام متتالية. حدث هذا العام الحالي على يد تنظيم الدولة. وقبل عامين اعتقله النظام، حيث سجن لدى المخابرات العسكرية، ولم يتعرض للشبح على يدى المحققين هناك، ولكن بـ"العجلة"، حيث يحشر السجين في داخل عجلة أثناء الضرب. وتعرض ذراعا سمير للكسر وكذلك كسرت رجله. ويقول سمير إن نظام التعذيب في سوريا وعلى مدى السنوات أصبح "فنا".
ويشير التقرير إلى أن هناك "السجادة الطائرة"، حيث يثبت السجين على لوح مرن، ويتم حني طرفيه والسجين عليه، ما يؤدي لانحناء ظهر السجين وبعدها تبدأ "الفلقة". وهناك انتهاكات جنسية باستخدام أسياخ الكباب، وكذلك التجويع. وكشف منشق عن النظام "قيصر"، عملا مصورا عن فظائع السجون السورية، حيث التقط صورا لـ 55.000 شخص في سجون النظام.
ويختم سبنسر تقريره بالإشارة إلى أن في الرقة سجلت منظمة "أمنستي" أشكالا قاسية من التعذيب. فقد قاد عملية التعذيب على حازم أحد أمراء تنظيم الدولة "أبو لقمان" مسؤول الأمن في الرقة، ورغم ارتدائه القناع إلا أن حازم عرف صوته. واسمه علي الشواق، وهو محام من الرقة، وهو ناشط إسلامي متشدد، وكان سجينا في سجن صديانا مع بداية الثورة عام 2011.