لم يكن عام
2014، عاديا في
اليمن، بل كان ثقيل الوطأة، ضخم الإرث، وربما تظل آثاره حاضرة لأعوام في البلد الأسيوي الذي يضربه الفقر والتطاحن السياسي.
وبعد سنوات من الآن، سيتذكر اليمنيون أن هذا العام، لم يشهد فقط سقوط العشرات من القتلى مثل الأعوام التي سبقته، بل سجّل "سقوط" الدولة، وصعود ما بات يعرف بـ"حكم الميلشيا"، وفق مراقبين.
ومنذ أواخر أيلول/ سبتمبر الماضي، وقع عدد من المحافظات اليمنية، والعاصمة
صنعاء، في قبضة جماعة "أنصار الله"، المعروفة إعلاميا بجماعة "
الحوثي"، التي رفعت مطالب شعبية بينها "التراجع عن رفع أسعار الدعم عن الوقود وإقالة الحكومة"، وتمترس عناصرها في محافظات الحديدة، وحجة غربا، وذمار، والبيضاء، وإب، وعمران، متجاهلين ما نص عليه اتفاق السلم والشراكة على انسحابهم من كافة المناطق.
وأرجع مراقبون سقوط محافظات يمنية في أيدى الحوثيين إلى "غياب" جيش مهني يدين بالولاء للوطن وليس للأشخاص.
ورصدت قرارات تعكس "تدخلا" حوثيا في شؤون الدولة، وأبرزها عزل محمد صلاح شملان، محافظ محافظة عمران، المحسوب على حزب الرئيس السابق على عبد صالح، وتعيين أحد المحسوبين عليها مكانه (فيصل جمعان)، وعزل صخر الوجيه، محافظ الحديدة وتكليف الأمين العام للمجلس المحلي بدلا عنه، حسن الهيج، وعزل فؤاد العطاب، مدير شرطة محافظة إب وتعيين آخر محسوب على الجماعة (محمد الشامي) وإلغاء إجازة يوم السبت في بعض مديريات محافظة صنعاء، التي أقرت في وقت سابق، بدلا عن الخميس.
ووفق المصدر ذاته، اقتحمت عناصر الجماعة مؤخرا "شركة صافر" النفطية الحكومية وعينت مديرا لها من المحسوبين عليها، كما قاموا بنفس الأمر في مؤسسة الثورة للصحافة والطباعة والنشر، التي تصدر منها الصحيفة الرسمية الأولى في البلاد.
وبحسب نقابية، طلبت عدم الكشف عن هويتها، "تشتكي دوائر حكومية رسمية في العاصمة صنعاء من أن جماعة الحوثي تفرض بالقوة موظفين جددا في عدد من الإدارات الحكومية الهامة لها بحجة مراقبة الفساد، كما أجبرت الكلية الحربية على قبول عشرات المسلحين من أنصارها كطلاب جدد، دون استيفائهم للشروط المطلوبة من لياقة بدنية ومعدل علمي محدد.
كما يتحكم الحوثيون في عدد من الدوائر الحكومية السيادية في العاصمة، منها مطار صنعاء الدولي، والمصرف المركزي، وكذلك ميناء الحديدة غربي البلاد، في ظل صمت استمر طويلا من قبل السلطات، حسب المصادر ذاتها.
ورأى الباحث والمحلل السياسي، سعيد الجمحي، أنه "لا بوادر لعودة هيبة الدولة"، مرجحا تزايد تدهور الأمور في البلاد، وأرجع ذلك إلى أن "رأس الدولة وقمتها، الرئيس عبد ربه منصور هادي، يكاد يكون الحاكم النظري لليمن، وسلطته لا تبدو حقيقية على الأرض".
وقال الجمحي: "اليمن على شفا كارثة، الحوثيون يتوسعون جغرافيا بشكل مقلق وبدون مشروع حقيقي، ولا يريدون أن تكون الحكومة حاكمة، كما أن القاعدة تبطش، والاقتصاد ينهار"، مضيفا: "ليس هناك من منفذ للتفاؤل".
وفي غضون ذلك، أعلنت الحكومة اليمنية، مؤخرا، عن "برنامج مستقبلي" للعام 2015، ركزت فيه على إعادة الأمن وبسط هيبة الدولة، إلا أن الجمحي قال إن "طريق الاستقرار يجب أن يكون له بدايات، مثل عودة كل المحافظات والمدن ليد الدولة، وكذلك تمكنها من سحب السلاح الثقيل من المليشيا"، مضيفا أن "استراتيجية تحقيق ذلك غير متوافرة".
وأضاف: "مشروع الحكومة الجديد يكاد يكون لا يلامس المشكلة التي نعانيها، بل هو نسخة لمشاريع دول مستقرة (لم يذكرها)، ولا تشبهنا".
ويعتمد الحوثيون، في توسعهم بالمحافظات اليمنية، على تحالف مع صالح الذي حكم اليمن 33 عاما، ومازالت قيادات عسكرية في الجيش والأمن وقبائل نافذة، تدين له بالولاء، وفق تقارير إعلامية محلية ومراقبين.
إلا أن قيادات حزب المؤتمر الشعبي الذي يترأسه صالح، ترفض ذلك الاتهام، كما نشرت صحيفة "اليمن اليوم"، المحسوبة على الرئيس السابق، في افتتاحية لها مؤخرا، أن الرئيس الحالي منصور هادي "هو من اعتبر في أحد خطاباته، جماعة الحوثي شركاء في بناء المستقبل، وليس صالح".
والحوثيون جماعة شيعية مسلحة يُنظر إليها على أنها امتداد للحكم الإمامي الذي حكم اليمن قبل ثورة 26 سبتمبر 1962، وكانت مجُرمّة قبل العام 2011، لكن مشاركتها في الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام صالح، مكنها من حصد مكاسب سياسية كبيرة ثم مشاركتها في مؤتمر الحوار الوطني (انتهي في كانون ثاني/ يناير 2014).
ويصف الصحفي، عبدالعزيز المجيدي، وهو رئيس تحرير صحيفة الشاهد الأهلية، ما حدث في اليمن عام 2014 بأنه "عودة لعجلة الزمن خمسين عاما إلى الوراء في مخالفة لقوانين الطبيعة".
وقال المجيدي: "عادت البلاد مجددا إلى مزاعم الاصطفاء لفئة معينة تدفع بأحقيتها في الحكم".
ويسود قلق بالغ في الشارع اليمني من الوضع الذي تعيشه البلد تحت رحمة "المليشيا المسلحة"، ويتخوفون أن يستمر الحال على ما هو عليه في فترات طويلة من العام القادم.
وفي الوقت الذي يستبعد فيه مراقبون أن تستعيد الدولة اليمنية هيبتها خلال الفترة المقبلة، في ظل التشظي والولاءات الجهوية بالمؤسسة العسكرية، يتوقع سعيد الجمحي أن "تذهب اليمن إلى نفس مستنقع الفوضى الذي تعيشه سوريا والعراق وليبيا".
وقال مصدر حكومي رفيع، فضّل عدم الكشف عن اسمه، إن "رئيس الوزراء خالد بحاح أكد قبل يومين أن الحكومة لن تقبل أن تكون حكومة صورّية، وستدير الدولة بالمشروع الدستوري القانوني".
ونقل المصدر عن بحاح أيضا أن "الحكومة مستعدة للانسحاب إذا تحمل الطرف الآخر (أي جماعة الحوثي) مسؤولية إدارة الدولة".
وتقول جماعة الحوثي إن البلاد في "مرحلة الشرعية الثورية"، بعد نجاح "ثورة" قادتها، في السيطرة على صنعاء والإطاحة بمن تسميهم "مراكز الفساد"، وتوقيع اتفاق الشراكة مع القوى السياسية الأخرى.
وقال الحسن الجلال، وهو ناشط وصحفي من مؤيدي جماعة الحوثي، إن "البلاد في مرحلة ثورية، حيث استطاع الحوثيون الاطاحة بأعتى رموز الفساد والاستبداد في البلد (لم يسمهم)، وهم لا يلغون الدولة بل يعملون جنبا إلى جنب كشركاء".
وأضاف: "الجماعة تبحث الآن عن تنفيذ اتفاق السلم والشراكة (ينص على انسحاب المليشيات وخفض اسعار المشتقات النفطية)؛ لكن الدولة تتملص وترفض تطبيق مخرجات مؤتمر الحوار، واستيعاب اللجان الشعبية (تابعة للحوثيين)، التي تكبدت عناء حفظ الأمن بمفردها في العواصم، في الجيش، تحت مبررات واهية"، دون أن يذكر مزيدا من التفاصيل.