أصدرت الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع
الدستور الليبي مقترحات مواد دستورية متعلقة بشكل الدولة ونظام الحكم، والسلطة القضائية، والحقوق والحريات، والنظام المالي للدولة، ونظام الحكم المحلي، وما أسمته الهيئة بالتدابير الانتقالية، وذلك على موقعها على الإنترنت الأربعاء الماضي.
ويؤكد خبراء دستوريون ليبيون أن عمل هيئة الستين لصياغة مشروع الدستور وأصل وجودها، معرض للانهيار إذا ما تم الطُعن بها أمام الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا الليبية، كونها تستمد بقاءها من خلال مقترح لجنة فبراير، الذي مدد عملها إلى 18 شهراً، بعد انتهاء مدة الـ120 يوماً التي كانت مقررة بموجب قانون انتخاب الهيئة الصادر عن المؤتمر الوطني العام، وحيث إن مقترح فبراير قضت المحكمة العليا بعد دستوريته بمناسبة الطعن على شرعية مجلس النواب المنعقد بطبرق شرقي
ليبيا.
ووفق هذا التحليل القانوني، فالهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور ما لم تطلب من المؤتمر الوطني العام الذي عادت له الشرعية تمديد أجل عملها بقانون، فإن كل ما سيصدر عنها سيلاحقه الانعدام القانوني، الذي يعني عدم الاعتداد بأية آثار تترتب على عمل الهيئة في الماضي والحاضر والمستقبل.
هذا وقد أورد مقترح النصوص الدستورية أحكاماً خاصة سماها "الخارطة التفصيلية لباب الخارطة الانتقالية"، الذي جاء في فصله الأول نصوص تعالج موضوع العدالة الانتقالية، وهو ما يراه البعض مزايدة سياسية أكثر منها دسترة لموضوع، أصدر المؤتمر الوطني العام قانوناً تفصيلياً بشأنه في الثاني من ديسمبر/كانون الأول من عام 2013.
ورغم أن مسائل المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية عادة تعالجها القوانين العادية، بحكم أنها قضايا ظرفية وقتية، تنتهي حال معالجة المشاكل والمصاعب القانونية والاجتماعية الناجمة عن الحروب الأهلية والثورات، إلا أن بعض الدساتير الحديثة بالدول التي مرت بتجارب مشابهة للتجربة الليبية، كرواندا وجنوب إفريقيا، تصبغ على هذه المعالجات رغم ظرفيتها، حماية دستورية لأهميتها في نزع فتيل الأزمات، ونشر السلام الداخلي والاستقرار السياسي.
إلا أن بعض السياسيين الليبيين أبدوا تخوفهم من أن يكون هذا الفصل المتعلق بالعدالة الانتقالية لعقاب الذين ثاروا على نظام العقيد الراحل معمر القذافي، وساهموا في إسقاطه، حيث إنه ساوى بين من ارتكب جرائم ممنهجة سواء أكانت جنائية، أم اقتصادية، أم المشاركة في إفساد الحياة السياسية بأوامر مباشرة وخطط واضحة من رأس النظام، وبين من ارتكب جرائم في ظل تحلل الدولة وسلطاتها السياسية والأمنية بعد إسقاط النظام. أي إن الانتهاكات التي ارتكبت بعد
الثورة خلت من عنصر التوجيه من رأس النظام، بالإضافة إلى التدبير الممنهج.
ويستدل أصحاب وجهة النظر تلك بالمادة التي تنص على" تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة لكشف حقيقة وتفاصيل الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية من 1/1/1969 إلى حين إنفاذ الدستور الدائم"، وهو نص يغفل حقيقة أن ثورة في ليبيا أسقطت نظاماً شمولياً، وتبعتها انتهاكات حقوقية تقع بالضرورة بعد كل ثورة شعبية.
ويضيفون أن حقيقة هذا النص هو استهداف كل من اشترك في ثورة السابع عشر من فبراير/شباط، بأي نشاط كان، مدني أو عسكري، ووضعه تحت طائلة القوانين العقابية.
ويرى الخبراء أن إدراج نص دستوري يمنع العفو في جرائم انتهاكات حقوق الإنسان، والتقادم أياً كان وقت ارتكاب هذه الجرائم، يعزز من الفكرة القائلة بأن تياراً سياسياً داخل هيئة الستين وأعضاء، يبرز عداءه المباشر لثورة فبراير/شباط، ويحاول ممارسة سياسية الأرض المحروقة.
من جانب آخر كان المجلس الوطني الانتقالي في مارس/آذار 2012 أصدر قانوناً أعفى بموجبه الثوار الذين قاتلوا نظام العقيد الراحل معمر القذافي من العقاب، على ما ارتكبوه من أعمال "بهدف إنجاح الثورة أو حمايتها".
وجاء في المادة الرابعة من القانون، التي جاءت تحت عنوان "بعض الإجراءات الخاصة بالمرحلة الانتقالية"، إنه "لا عقاب على ما استلزمته ثورة السابع عشر من فبراير/شباط من تصرفات عسكرية أو أمنية أو مدنية قام بها الثوار بهدف إنجاح الثورة أو حمايتها". وهو قانون حمى كثيرين من الذين اضطروا إلى ارتكاب انتهاكات وجرائم كانت ضرورية؛ كرد فعل على مقاومة ثورة فبراير بشتى أنواع الأسلحة من النظام السابق، وبالتالي سترتفع هذه الحماية القانونية حال إقرار مقترحات مشروع الدستور المقدم حالياً من هيئة الستين.