كتب ديفيد أغناتيوس: متابعة الأحداث وهي تتكشف داخل
العراق خلال هذا العام، كانت أشبه بمشاهدة مقطع مصور لحادث تحطم قطار بالسرعة البطيئة.
منذ الربيع، عكفت زعامات قبلية على التحذير من صعود تنظيم
داعش الإرهابي، وناشدت الولايات المتحدة تقديم يد العون، إلا أنه بعد شهور من المذابح، بدأت الولايات المتحدة الآن فقط في بناء برنامج فاعل لمساعدة القبائل.
وتعرضت قبيلة
البونمر تحديداً لانتقام وحشي لأسباب، منها أنها دعمت ما أصبح يسمى حركة «الصحوة» داخل إقليم الأنبار، التي تزعمتها الولايات المتحدة. عام 2004 أجرى أفراد من البونمر اتصالات مبكرة مع ضباط مارينز أميركيين في عمان بالأردن، مما ساعد في الحملة اللاحقة واسعة النطاق ضد تنظيم القاعدة.
في أكتوبر (تشرين الأول)، كتبت عن مأساة البونمر مع تقدم مقاتلي «داعش» داخل الأراضي التي تنتمي إليها القبيلة، منذ أسلافها القدامى بالقرب من هيت على امتداد نهر الفرات. ولم تفلح المناشدات الموجهة للقيادة المركزية والقوات العراقية مساء 23 أكتوبر في جلب أي مساعدة. وبالفعل، استسلم المقاتلون القبليون نهاية الأمر، وعلى امتداد الأسابيع القليلة التالية قتل عدة مئات من أبناء القبائل.
من جانبه، قال أحد كبار المسؤولين الأميركيين: «ما حدث مع البونمر كان مأساة بكل المقاييس». وقد اشتكى قادة أميركيون من افتقادهم الأنظمة التي تمكنهم من الرد السريع. وهناك أقاويل بأن القيادة المركزية لديها الآن خط ساخن متصل بالقبائل، لكن المساعدات المادية محدودة.
ويعود جزء من السبب وراء كارثة البونمر إلى تداخل المصالح، حيث اتخذ الكثير من قيادات القبيلة من عمان مقراً لهم، بينما سعت واشنطن للتقريب بين المقاتلين السنة وبغداد ورئيس الوزراء حيدر العبادي، وأدى ذلك إلى تفوق بغداد على عمان، بينما وجدت البونمر نفسها محصورة في المنتصف.
وقد شهد الأسبوع الحالي اتخاذ خطوة باتجاه التعاون الأردني - العراقي المطلوب، مع إعلان وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي أن الأردن سيتولى تدريب وحدات قبلية سنية وتسليحها، وجاء هذا المشروع المشترك بين عمان وبغداد الاستثنائي من نوعه في أعقاب زيارة العبادي للإمارات العربية المتحدة، التي تعهدت بدعم تسليح وتدريب شيوخ الأنبار، كما تعهد الكويتيون بتقديم أسلحة وذخائر لقوة «الحرس الوطني» السنية تلك.
وقد تجلت مأساة البونمر وعدد من القبائل الأخرى عبر سلسلة من رسائل البريد الإلكتروني على امتداد الشهور القليلة الماضية، في الوقت الذي بث فيه «داعش» مشاعر الفزع داخل الأنبار.
وفي رسالة كتبها أحد قادة البونمر في نوفمبر (تشرين الثاني)، بعد مذبحة هيت، إلى ميجور متقاعد من قوات المارينز سبق له العمل في الأنبار، قال: «اليوم، أمامنا نافذة صغيرة تتيح فرصة تجنيد مقاتلين من القبائل السنية؛ نظراً للغضب الشديد الذي يشعرون به حيال فقدانهم أرزاقهم ومقتل أقاربهم».
وأوضح الزعيم القبلي أن المشكلة كمنت في أن الولايات المتحدة كانت تعمل بصورة وثيقة للغاية مع الحكومة في بغداد، مما جعل السنة في الأنبار يشكون في الالتزام الأمريكي تجاه منحهم مزيداً من السلطة، ومن دون هذا الالتزام السياسي، لم تكن للأسلحة ولا حتى طائرات «الأباتشي» أهمية تذكر.
وحذر زعيم البونمر من أن «هذه الجهود لن تنجح كاستراتيجية، لعدم توفر حل سياسي مطروح بوصفه جزءاً من جهود التجنيد».
في 21 نوفمبر، نصح الزعيم القبلي نفسه القيادة المركزية عبر ميجور المارينز المتقاعد، بأن متطوعي البونمر الذين ما يزالون يقاتلون قرب هيت، لم يتناولوا طعاماً مناسباً طيلة 3 أيام، وأن 17 منهم استسلموا بسبب الجوع. وأضاف: «الجهود برمتها ستنهار قريباً للغاية إذا لم يجر توصيل الإمدادات والغذاء المناسبين».
واستمرت البونمر في طرق أبواب واشنطن. في 11 ديسمبر (كانون الأول)، كتب الزعيم القبلي لميجور المارينز المتقاعد يقول: «علي الاعتراف بأن الناس تشعر بخيبة أمل بالغة حيال مستوى الدعم الذي قدمته الحكومة للمقاتلين القبليين، والذي يعد في معظمه لا وجود له على أرض الواقع». وقبل ذلك بـ10 أيام، ذكر أن مقاتلي البونمر أجبروا على التخلي عن موقع أعادوا السيطرة عليه على امتداد الفرات، بجانب أسر العشرات. كما أن الوضع قرب الرمادي حرج للغاية.
من جانبه، أوجز بريغادير جنرال متقاعد من قوات المارينز سبق له العمل في الأنبار، الدرس اللازم تطبيقه للتصدي لـ«داعش» على النحو التالي: «الأمر كله يدور حول الثقة، فالثقة لا يمكن أن تبث أو يجري تعزيزها بصورة فورية».
الأمر الذي بدأ يتبدل على امتداد الأشهر الـ6 الماضية، أن القيادات السنية في الأردن والإمارات والسعودية وتركيا يبدون على استعداد للعمل مع الحكومة في بغداد لدعم حملة قبلية ضد «داعش». ورغم أن هذه الجهود قد تفشل بسبب انعدام الثقة بين القبائل، فإن وجودها من الأساس كان أمراً يتعذر تخيل حدوثه في ظل تولي نوري المالكي المثير لروح الانقسام منصب رئيس الوزراء.
من جهتهم، قال قادة قبليون سنة خلال مقابلات أجريت معهم، إنهم يرغبون في تحجيم «داعش»، لكنهم متخوفون؛ فهم لا يثقون ببغداد والكثيرون منهم لا يثقون بالولايات المتحدة. والواضح أن بناء استراتيجية مشتركة لن يفلح من دون توافر دعم أمريكي مستديم للأفراد، الذين كثيراً ما تعرضوا للخيانة، مما جعل همهم الأكبر الآن هو مجرد ضمان البقاء.
(عن صحيفة الشرق الأوسط، خدمة "واشنطن بوست" 29 مانون الأول/ ديسمبر 2014)