فورين بوليسي: كيف تتوزع ليبيا بين حفتر وفجر ليبيا؟

قال الجنرال خليفة حفتر إن هجوما بريا على العاصمة بات محتوما. وكان الجنرال يتحدث من قاعدته العسكرية في المرج قرب طبرق، مقر الحكومة التي هرب نوابها من طرابلس بعد سيطرة قوات "فجر ليبيا" عليها في الصيف الماضي.

وتقول بيل ترو في تقرير لها في مجلة "فورين بوليسي" إن حفتر يقود جيشا أطلق عليه "الجيش الوطني الليبي"، الذي يضم بقايا جيش معمر القذافي الذين انشقوا عليه.

وهدد حفتر قائلا: "لا يمكننا الاستمرار بحكومتين وبرلمانين، وعليه يجب على (فجر ليبيا) التوقف عن القتال أو سنقوم باعتقالهم"، بحسب المجلة

وتقول ترو إن حظوظ حفتر (71 عاما) بدأت بالتحسن في الأشهر الأخيرة. واعتبر خارجا على القانون عندما حاول وفشل بالإطاحة بالحكومة التي تسيدها الإسلاميون في شباط/ فبراير الماضي. ولكن مجلس النواب في طبرق، الذي يفتقد القوات العسكرية، أعاده كي يقوم باستعادة طرابلس من قوات "فجر ليبيا" التي تقودها ميليشيات مصراتة. وقام باستيعاب عدد من الميليشيات المؤيدة للغرب، ويقوم بمحاولة تطويق العاصمة، ويخوض معارك مع "فجر ليبيا" في كيلكا، التي تبعد 100 ميل عن العاصمة.

وتشير الكاتبة إلى العملية التي قامت بها قوات حفتر في مدينة بنغازي، التي سيطرت فيها قواته على مناطق واسعة، وخاضت معارك ضد "فجر ليبيا" وحركة أنصار الشريعة. ومن أجل الحفاظ على زخم المعارك اتجه حفتر في تشرين الثاني/ نوفمبر غربا، وأرسل طائراته "الميغ" المتداعية لضرب مواقع ومخازن "فجر ليبيا". ودفع الجنرال قواته في مناطق الغرب، حيث ضرب أهدافا قرب الحدود التونسية مثل معبر رأس جدير. وضربت قواته لأول مرة مطار مصراتة في 28 كانون الأول/ ديسمبر.

وتبين المجلة أن حفتر توعد بمواصلة الضربات على مصراتة، فيما قال رجال الجنرال إن صفقة السلاح، التي تقدر بالملايين والتي بموجبها سترسل دولة شرق أوروبية مقاتلات محسنة ومروحيات وأسلحة ثقيلة، ستكون المسمار الأخير في نعش أعدائهم. وستدفع حكومة طبرق فاتورة الصفقة، وينتظر الجنرال وصول الأسلحة. وعبر رئيس حكومة طبرق عبدالله الثني، وهو رجل عسكري سابق مثل حفتر، عن الموقف ذاته "سندعم الجبهة بمزيد من الأسلحة لكسر الجمود". مضيفا أن "سكان طرابلس يستعدون الآن وينتظرون اللحظة التي سيدخل فيها الجيش المدينة".

أسوأ مرحلة

ويفيد التقرير أن ليبيا تواجه أسوأ أزمة لها منذ انهيار نظام العقيد معمر القذافي في 2011، فالقوى التي تلقت دعما من الناتو تحولت نحو بعضها البعض، وأنشأ كل فصيل "إمارة" له، وبات يوجه السياسة عبر فوهة البندقية والصواريخ المضادة للدبابات. وأدى الاقتتال الداخلي إلى تهجير 400.000 نسمة. في وقت انقسمت فيه البلاد إلى حكومتين؛ واحدة في طبرق، والثانية في العاصمة طرابلس. حيث تلقى الأولى دعما من القوى الإقليمية، مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة، أما "فجر ليبيا" وهي تحالف سياسي يجمع ساسة إسلاميين ومقاتلين في مدينة مصراتة، يعتقد أنهم يلقون الدعم من تركيا وقطر. وعليه، فليبيا لديها اليوم برلمانان وحكومتان، سيطرة كل واحدة منهما على السلطة ضعيفة.

وتنقل الكاتبة عن إحدى المواطنات واسمها زينة (27عاما) من بلدة كيلكا، وعائلتها من العائلات التي فرت من القتال والقصف، قولها: "بدأ يومنا عاديا وبعدها سمعنا أصوات القصف والصواريخ، ودون تحذير قاموا بضرب بيوتنا، هربنا فقط بالملابس التي علينا". 

وتكشف المجلة عن أن زينة تعيش في سقيفة تعد جزءا من حديقة الحيوانات. وتقول: "إنه الشتاء الآن، ونحن في وضع سيئ"، مضيفة "سمعنا أن بيوتنا سويت بالتراب وحرقت، ماذا سنفعل؟".

حياة في فندق

وتشير المجلة إلى أنه بعيدا عن طرابلس بمئات الأميال جلس النواب والمتشددون السلفيون وقادة طيران وزعماء عشائر في بهو فندق متلألئ. وتحرس الفندق قوة عسكرية، وتحيط به كتل إسمنتية وحواجز. وفي داخل الجدران الهادئة كان الندل يتحركون بين الجالسين حول الطاولات، يقدمون لهم الكابتشينو والكرواسان، ووجبة من ثلاثة أصناف في قاعة الطعام. وخارج القاعة كان أبناء النواب الذين هربوا معهم يلعبون كرة القدم في ملعب مهجور للتنس يطل على البحر. 

وتعلق ترو قائلة: "هذا هو البرلمان المنفي في معقله في طبرق التي تبعد 900 ميل عن طرابلس". وعندما قامت "فجر ليبيا" بالسيطرة على العاصمة هرب النواب إلى طبرق، وهم يخططون الآن للعودة. 

ويذهب التقرير إلى أن المال والحرب كانا الموضوعين الرئيسيين للحديث. فـ"فجر ليبيا" تسيطر على سلطة النفط ووزاراتها التي تقول إنها الحكومة الشرعية. وقرار المحكمة العليا في تشرين الثاني/ نوفمبر بحل مجلس النواب قوّى وضع حكومة التحالف الإسلامي. فيما رفض المصرف المركزي تحويل المال إلى أي من الحكومتين في محاولة للوقوف على الحياد، ويدفع فقط النفقات والرواتب للحكومتين، وللمفارقة فإنها تشمل رواتب المقاتلين ممن وافق برلمان عام 2012 على دمجهم في وزارتي الداخلية والدفاع.

الحسم أفضل

وتذكر المجلة أنه لهذا فقد جعل قرار المحكمة الدستورية من ميزانية حكومة طبرق لعام 2015  والبالغة 42 مليار دولار حبرا على ورق. ويتعامل السياسيون والقادة العسكريون مع قرار المصرف بمثابة إعلان حرب. 

ونقلت "فورين بوليسي" عن نائب بارز قوله: "أسهل حل هو  الحل العسكري، وهو الطريق للأمام من أجل فك هذا المأزق المثير للسخرية". ويضيف هذا النائب الصقوري "نحاول إنشاء مصرف مركزي جديد كي يتعامل مع الوزارات، وهو  إجراء مؤقت حتى نعود إلى طرابلس".

وفي الوقت الذي تحاول فيه الأمم المتحدة إدارة جولة جديدة من المفاوضات لجمع الأطراف المتنازعة، إلا أن المؤسسة الدولية فشلت، بحسب المجلة.

وتجد ترو أنه في الوقت نفسه لا تبدو قوات طبرق العسكرية راغبة في إجراء محادثات. فالجنرال السابق خليفة حفتر، الذي بدأ حربه المزعومة على الإرهاب ضد الإسلاميين هذا العام، ويقود جيشا جديدا أطلق عليه "الجيش الوطني الليبي"، والذي جمع فيه بقايا جيش العقيد القذافي السابق ممن انشقوا عليه أثناء الثورة، يعتقد أن الريح تهب في اتجاهه.

أزمة الثني

وتعتقد الكاتبة أن المشكلة التي تواجه كلا من الثني وحفتر هي التنافس وعدم الثقة بينهما، وهو ما سيؤثر على مستقبل النزاع. فقد كان الثني وقيادته العسكرية من ضمن البرلمان السابق الذي اعتبر حفتر رجلا خارجا على القانون. وفي ذلك الشهر قال حفتر إنه يريد سجن وزارة الثني. وتبدو مظاهر عدم الثقة بينهما من خلال زعم كل واحد منهما أنه يدير الحرب. ويقول الثني إنه لن يوافق على التفاوض إلا بعد تسليم "فجر ليبيا" بشرعية حكومة طبرق، وتسليم مدينة طرابلس والتخلي عن تحالفها مع أنصار الشريعة، وهي شروط من الاستحالة قبولها ثمنا لمشاركته في مبادرة الحل التي تطرحها الأمم المتحدة، بل وزاد الثني قائلا: "يجب تقديم أعضاء (فجر ليبيا) ممن ارتكبوا جرائم للمحكمة". 

وتوضح المجلة أن الثني يحتاج إلى الكثير من المال الكثير كي يؤكد سلطة حكومته، وهو يعرف هذا، ولهذا اقترح حلا مؤقتا، حيث قام بتعيين رؤساء جدد لشركة النفط الليبية، وهي الهيئة المسموح لها ببيع النفط الليبي، وعين مديرا جديدا للمصرف المركزي، وسينقل مكاتبهما إلى بنغازي ورأس لانوف، ما يعني تقسيم البلد إلى قسمين. وقال إن "الأمر يتعلق بمن يسيطر على المال، ويمكننا تغيير طريقة تدفق عائدات النفط للبنوك التي نختارها، وعليه فما على (فجر ليبيا) إلا الجلوس في طرابلس وفرض سلطاتها الخاصة، وهي في الحقيقة لا تسيطر على شيء".

طرابلس 

ويبين التقرير أنه في العاصمة يبدو حضور "فجر ليبيا" بالمشي في الشوارع، فقد تم طرد مقاتلي الزنتان الذين دعموا قوات الجنرال حفتر من العاصمة، وحل محلهم مقاتلو مصراتة ممن يذرعون شوارع العاصمة مستخدمين سيارات بيكب تحمل مضادات للطائرات، وكتبت على سياراتهم عبارات "تصحيح مسار ثورة 17 فبراير". وتنتشر في الشوارع العبارات الجدارية التي تثني على "فجر ليبيا". وتذكر البنايات المحروقة والمدمرة قرب المطار بالمعركة الشرسة التي اندلعت في الصيف. وعاد أهل المدينة لأعمالهم، ولكن بحذر. ويقول الناشطون إن نسبة الاختطاف زادت منذ الصيف، ما دفع بالكثيرين للهرب. 

وتقول الكاتبة إن عمر الحاسي، رئيس الوزراء، الذي عمل أكاديميا في الحكومة في طرابلس، قام بالتحرك وسيطر على مؤسسات الدولة الباقية من شركة النفط والبنك المركزي. وتقوم القوات التابعة له بحملة عسكرية في مرافئ النفط، واستطاعت قوات "فجر ليبيا" السيطرة على حقل نفط مهم في الجنوب "الشرارة". ومثل أعدائه عبر الحاسي عن موقف صارم، ووصف كلا من الثني وحفتر بالمجرمين، ودعا المجتمع الدولي لمقاطعة برلمان طبرق. وقال إن "جرائمهما كبيرة ويقومان، حفتر والثني، بعملية عقاب جماعي ضدنا". ودعا الحاسي لانتخابات برلمانية جديدة "بعد توقف الحرب"، وحتى حصول هذا فعلى حكومة الإنقاذ الوطني التي يتزعمها مواصلة الحكم والإشراف على محادثات السلام. ودافع عن تحالف حكومته مع أنصار الشريعة، قائلا إن الجماعة الجهادية يساء فهمها وتعبر "عن فكرة بسيطة وجميلة". 

وأكد الحاسي أن حكومته هي من أجل الحوار، لكن المقاتلين التابعين له ممن يعانون من ضربات حفتر الجوية يبدون أكثر تصميما على القتال حتى الموت "سيظلون يقاتلون حتى آخر رجل فيهم"، وقال أحد أفراد جماعة إسلامية كبيرة في بنغازي "نخسر يوميا ما بين 20 -25 رجلا في اليوم، ولا مجال للاستسلام بعد الخسائر الكبيرة هذه"، بحسب المجلة.

وترى ترو أن تحالف "فجر ليبيا" متحد في عدائه لحفتر، لكنه مختلف حول مستقبل ليبيا، وهو مثل تحالف أعدائه عرضة للانهيار، فهو يضم ليبراليين وإسلاميين متشددين.

وتختم الكاتبة تقريرها بالإشارة إلى أن زينة، التي تقطن في السقيفة، كل ما تريده هو العودة إلى بيتها "لقد وعدنا الكثير، ومضت ثلاثة أعوام، فماذا تحقق منها؟".