عالم بلا ضمير يستضيف نتنياهو الإرهابي للمشاركة في مسيرة ضد الإرهاب، يبكي وجلا على 12 نفرا متناسيا مئات المسلمين الذين يموتون في سوريا والعراق وبورما، عالم بلا ضمير يهب من أجل رسم كاريكاتيري أو تمثال لبوذا في السابق، ولا يهب في وجه المجازر الوحشية التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين، عالم بلا ضمير يمارس الديموقراطية، ويستمتع بظلالها الوارفة، ويتركنا لحفنة من العسكر القتلة المجرمين يحكموننا، بل ويسمي ما فعلوه في 3 يوليو بالانقلاب العسكري، ثم يستقبل منفذي الانقلاب الدموي ويبتسم معهم أمام الكاميرات، ويوثق علاقاته بهم، ولا تمنعه جرائمهم ودمويتهم من أن يفعل، ساسة تحاسبهم شعوبهم في الغرب على نقص معدلات الرفاهية، ولا يلتفتون إليهم إذا دعموا أنظمة دموية، ورجعية، وفاشية، ومتخلفة عقليا وزمنيا، حتى المواطن الغربي بلا ضمير.
هذا ما نردده ازاء كل حادثة مثل
شارلي إيبدو، نتفرغ لإدانة العالم، فيما يتفرغ مثقفونا في تقريعنا على تقريعنا للعالم، ومحاولة تفهيمنا أنه ليس من حقنا أن ننتقد الغرب المتقدم العظيم، الذي نستخدم سياراته وطائراته، ونلبس ساعاته، وأحذيته، وقمصانه وبنطلوناته، وننعم بأفلامه، ومسلسلاته، ونهنأ بوسامة نجومه، ومؤخرات نجماته، صلى الله على الغرب وسلم، ذلك الذي يسمح الأغبياء من بني جلدتنا لأنفسهم أن ينتقدوه قبل أن يقدموا شيئا حقيقيا للعالم.
والحق أن من يتفرغ لإدانة الغربيين على لا أخلاقيتهم، مضيع لوقته، ذلك لأننا لسنا أمام حضارة صاحبة رسالة، كي يكون الهم الأخلاقي جزءا من مستهدفاتنا إزاء خطابهم وممارساتهم، الغربيون نفعيون، براجماتيون، لا أخلاقيون، لا يعنيهم أن يحترق العالم بمن فيه ما داموا في أمان، وبحبوحة من العيش، لا يعنيهم أن يبنوا اقتصادياتهم على امتصاص دماء الشعوب، لا يعنيهم استعباد البشر طالما أن هؤلاء البشر من هؤلاء الذين يسكنون على الطرف الآخر من الكرة الأرضية، مارسوا عبر تاريخهم كل أشكال العنصرية، والفاشية، وما زالوا إزاء الآخرين، إعلانهم العالمي لحقوق الإنسان، إعلان يخصهم، عالمي لأنهم يرون في أنفسهم العالم، والإنسان المقصود هو إنسانهم، أما نحن فمن نطفة حصان، ولذلك فإن من ينتظر إنسانية غير مشروطة بالعنصر والجغرافيا، كمن ينتظر أن تمطر السماء ذهبا وفضة.
هذا تضييع وقت، وحرث في البحر، وجهد لا طائل من ورائه، قضاياهم هم أولى بها، قضايانا نحن أولى بها، ليس معنى هذا ألا نتعاطف وندعم ونقدم كل ما نستطيع إزاء مآسيهم الإنسانية، لعلنا هنا ننحاز لأن ذلك من جملة قضاينا، رؤيتنا – من المفترض – إنسانية، ورؤيتهم عنصرية، كل يعمل على شاكلته، في هذا الكلام اختزال كبير، وتعميم أكبر، واستثناء لاستثناءات غير منكرة، إلا أن الشاهد هو ما يعنيني الآن، والشاهد أنه إذا كانت نخب الغرب ونوافذ إعلامه المقروءة والمرئية لا تهتم إلا بقضاياها الخاصة، فهذا حقهم، فماذا عنا؟ هنا أستدعي الصوت الذي يقول أين كنتم في سوريا والعراق وبورما، لا لأوجهه للغرب، ولكن لأوجهه لنا نحن، لمثقفينا، لإعلامنا، لحرقة دمنا المجانية.
أفهم أن نتعاطف مع شارلي إيبدو، وننظم الوقفات الاحتجاجية، وندعم بكل الوسائل، أفهم أن يفعل ذلك ثوار، ونشطاء، وصحفيون مهتمون، ومنحازون لحرية التعبير، لكن لا أفهم بحال أن تنتفض نخبة دموية، بررت للقتل، والاعتقالات، ومصادرة الحريات، والأموال، والأنفاس، على خصومهم السياسيين، بدعوى الحفاظ على الدولة، ثم تجدهم أول البكائين في مواكب شارلي إيبدو، أين كنتم؟ هنا استفهام مشروع، وعلامة تعجب مبررة، ولا يمكن إدراجها بحال في جملة مماحكات من نوعية، الغرب الكافر الذي لا ينتفض إلا لقضاياه، أو خطابات تحركت من هذه الممحاكات بغية تبرير جريمة شارلي إيبدو التي لا تبرير لها على الإطلاق، فهي جريمة واضحة لا لبس فيها.
أليس من حقنا أن نسائل مثقفينا، عن محاكم تفتيش التنويريين التي نصبوها هنا، ورضوا بالعسكر منفذين وجلادين، واستقووا بهم، ومارسوا كل أشكال الوضاعة والسفالة والانحطاط الخلقي، وكرسوا من جديد لدولة أكثر فاشية وعنصرية، ثم هم الآن يذرفون الدمع الهتون على رسامي كاريكاتير شارلي إيبدو. بأي عقل يمكننا أن نصدقهم؟ حتى المتعاطفين مع شارلي إيبدو على أرضية إنسانية وحقوقية لا يمكنهم أن يصدقوا هذا العبث لو فكروا قليلا، ولن يصدق إلا من صدق أن إرهابيا ومجرما عتيدا مثل نتنياهو شارك في مسيرة ضد زملائه من الإرهابيين.
الغربيون بلا ضمير مع الآخرين، نعم، لكنهم في ما يتعلق بقضاياهم شديدو الحساسية، نحن أيضا في ما يتعلق بقضاياهم شديدو الحساسية، ربما أكثر منهم، نحن وهم نشترك في الاهتمام بقضايا شخص واحد، شخصهم، يمكنك أن ترى في مجزرة رابعة عملا وطنيا عظيما قامت به قواتنا المسلحة لحماية الدولة بقتل 2000 من المدنيين وحرق جثث بعضهم تغطية على الجريمة، ويمكنك في الوقت نفسه أن تشارك بكل ما تستطيع ولو بالكتابة على بروفايلك الشخصي على مواقع التواصل: أنا شارلي إيبدو، هنا أجدني بدوري متعاطفا مع عنصرية الغربيين، فهم بلا ضمير لكنهم على الأقل موجودون، أما نحن فبلا نحن، غثاء كغثاء السيل، عبيد حتى في انحيازاتنا، تنحتنا الهزيمة نحتا على حوائطهم، نتسول رضاهم، وتحالفاتهم، ونسوق أنفسنا لديهم بما يشتهونه من النيل منا، يتحدث السيسي عن نصوص مقدسة تعادي العالم، يغازلهم، لو أراد تثوير الممارسات الدينية، لفعل دون تعرية لمؤخرته أمام عالم لا يكف عن اتهامنا في نصوصنا، ومن ورائه جوقة الصحفيين والإعلاميين والطبالين، والمعتدلين ماسكي العصا من المنتصف، كي لا تصلح للضرب، إنما للرقص، شارلي إيبدو وجدت من يهتم لها، أما مآسينا فلها من المبررات ما تخجل عنصرية الغرب على مجرد تخيله، لا تحاكموهم على عنصريتهم، حاكموا نخبكم على وضاعتهم، واسألوهم كم إرهابيا كان من الممكن أن يصير شخصا عاديا يذهب إلى عمله صباحا، ويعود لمداعبة أطفاله ومشاهدة التليفزيون مع زوجته في المساء، لو كانوا يقومون بنصف أدوارهم، أما شارلي إيبدو، فلا أشعر إزاء نخبتها بالإنكار، إنما بالغيرة، يا بختهم.