نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا لمراسلها في القاهرة بوروز دراغي، يعلق فيه على هجمات تنظيم
الدولة الإسلامية، أنصار بيت المقدس سابقا، على مراكز للجيش والأمن
المصري في العريش شمال
سيناء.
ويقول الكاتب: "كان أحمد أبو ذراع في طريقه لزيارة أقاربه في بلدة الشيخ زويد، شمال سيناء، عندما أوقفه حاجز تفتيش، يحرسه رجال ملتحون ويلوحون ببنادقهم. وفتح ببطء نافذة سيارته، وسأل عما إذا كان الطريق آمنا لمواصلة رحلته. وكان الرجال الملتحون، الذين يتحدثون على أجهزة اللاسلكي، قد أكدوا له أنهم أمنوا الطريق".
ويتابع دراغي: "كان الرجال ينتمون إلى جماعة أنصار بيت المقدس، التي يعتقد أنها مسؤولة عن حملة العنف ضد حكومة عبد الفتاح السيسي. وكان أبو ذراع واحدا من الصحافيين المحليين الذين استطاعوا الدخول إلى المنطقة الملتهبة، وقابل أحد المقاتلين وسأله عن عملياتهم".
وينقل التقرير عن أبي ذراع قوله: "قال لي إن لديهم جواسيس في كل مكان، ويتم إخبارهم قبل نصف ساعة من بدء
الجيش المصري بهجماته".
ويضيف أبو ذراع أن المقاتل التابع للجماعة أخبره قائلا: "نعرف أن مروحيات الأباتشي ستأتي حتى قبل أن تقلع من المطار".
ويبين الكاتب أن هذا يفسر قدرة التنظيم، الذي شن يوم الخميس سلسلة من الهجمات المنسقة على مراكز للجيش في العريش والشيخ زويد ورفح في شمال سيناء، وقتل فيها 27 جنديا وجرح العديد. وأعلنت جماعة "جند الخلافة" مسؤوليتها عن العمليات، وهي جماعة مرتبطة بالدولة الإسلامية في العراق وسوريا، ما يبرز أسئلة مثيرة للقلق حول التهديد الذي تمثله الجماعة، التي تعمل في مناطق خارجة عن القانون، وتهدد في الوقت ذاته أمن إسرائيل وقناة السويس والأردن والسعودية.
ويشير التقرير إلى أن الهجمات أثارت أسئلة حول استراتيجية الجيش المصري في سيناء، خاصة أن الهجمات شنت رغم قوانين منع التجول المفروضة على المنطقة ومنذ شهور.
وتنقل الصحيفة عن الخبير في الشؤون المصرية في المعهد الملكي للدراسات المتحدة في لندن، أتش إي هيلير، قوله: "يبدو أن القوات المسلحة تلاحق الأشخاص الذين تريدهم"، مضيفا أنه "إذا كان الهدف هو منع حدوث هجمات كهذه، فقد فشلوا".
ويرى الكاتب أن هجوم الخميس هو الأسوأ منذ هجوم تشرين الأول/ أكتوبر، الذي شن في وضح النهار على نقطة عسكرية للجيش، وأظهر قدرات عالية للمهاجمين المصريين، وكان من بين الهجمات واحدة جريئة على مقر الكتيبة 101 في العريش، التي تعد من أكثر الكتائب إثارة للرعب في النفوس من بين قوات الجيش المصري. ويقول الباحث في جامعة إكستر، عمر عاشور: "كانت عملية معقدة ومزيجا من حرب العصابات وأساليب قوات المشاة والمدرعات الخفيفة". وأضاف أن "هذه أهداف صعبة، واسم الكتيبة 101 يبعث على الخوف".
ويوضح التقرير أن الهجمات استمرت خمس ساعات، وأدت إلى هجمات صغيرة في مدن بورسعيد والقاهرة والسويس. ويرى هيلير أنه "شيء كبير أن تقوم بقتل أعداد كبيرة في مكان واحد، وأمر آخر أن تهاجم عدة أماكن في الوقت ذاته، والأخير أكثر فعالية وإثارة وتخريبا" .
وتفيد الصحيفة بأن المسؤولين المصريين سارعوا إلى تحميل جماعة الإخوان المسلمين، الجماعة التي حظرت بعد انقلاب تموز/ يوليو 2013، الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي، مسؤولية الهجمات.
ويورد التقرير أن مسؤولين في الجيش المصري قالوا إن عناصر إرهابية قامت بعدوان ضد عدد من المواقع والمنشآت التابعة للجيش وأجهزة الأمن، واستخدموا سيارات مفخخة وقنابل هاون. مضيفين أن الجيش يسيطر على الوضع.
ويذكر الكاتب أنه منذ شهر تشرين الأول/ أكتوبر، والجيش المصري يشدد من عملياته في شمال سيناء، حيث إنه قام بحملات قمع واعتقال لقيادات إسلامية، وأخلى مناطق كاملة من مدينة رفح المصرية، في محاولة منه لوقف نشاطات جماعتي "أنصار بيت المقدس" و"أجناد مصر"، اللتين يعتقد أن لهما علاقة مع الدولة الإسلامية.
ويلفت التقرير إلى أن سكان المناطق في سيناء يشكون من سياسة الأرض المحروقة واليد الحديدية، التي يتبعها الجيش، والتي عززت من قوة المتشددين. وشجبوا تحديدا خطط الحكومة لإنشاء منطقة عازلة على طول الحدود مع قطاع غزة وإسرائيل. وأجبرت الحكومة الآلاف من السكان على إخلاء بيوتهم، ودمرت ألفي منزل تقع على مسافة كيلومتر مربع من الحدود.
وتقول الصحيفة إن الحكومة أمهلت بعض السكان 48 ساعة لإخلاء منازلهم، التي عاشوا فيها لعقود طويلة. ويقول مواطن في رفح عمره 35 عاما: "لا أعرف أحدا انضم لأي من هذه الجماعات بعد تدمير بيوتهم، لكن نعم، لا أكذب إن قلت إنهم متعاطفون معهم، فالناس يخافون من الجيش أكثر من الجهاديين، فعندما تضطهد فإنك تتعاطف مع أي شخص يقاتل من اضطهدك".
وتضيف أن عددا من السكان الذين تحدثت إليهم أشاروا إلى أن بلدات وقرى كاملة قريبة من الشيخ زويد تخضع لسيطرة كاملة لجماعات الجهاديين، مثل جماعة "أنصار بيت المقدس"، التي أعلن جزء منها الولاء للدولة الإسلامية.
تختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن المتمردين قاموا أيضا بعمليات اغتيال لممارسة الضغط على السكان؛ حتى لا يتعاونوا مع الجيش. ويقول أبو ذراع: "وجد الناس أنفسهم بين نارين، إن عملوا مع الجيش قتلوا وإن سكتوا فسيدمرون".