سيدة فرنسية مُتابِعة لصفحتي عبر "فيسبوك"، عرّفت عن نفسها بأنها "فرنسية يهودية"، لامتني على ما سمّته "لغة الإهانات المعيبة" التي تضمّنها تعليقي على مشاركة نتنياهو الوقحة في التظاهرة الفرنسية من أجل حرية التعبير يوم الأحد 11 كانون الثاني الفائت، إثر الاعتداء المجرم على صحيفة "شارلي إيبدو". كنتُ يومذاك كتبتُ، في ما كتبت، أننا لو كنا نعيش في عالم سويّ وعادل، لكان مكان نتنياهو الصحيح، لا في الصفوف الأمامية لتظاهرةٍ، شعارُها يتعارض مع كل ما يمثله، بل في "مخبأ في مزراب، تطارده أجهزة الأمن لكي تقبض عليه، تماماً مثلما طاردت قتلة رسّامي الكاريكاتور".
ثم لامتني القارئة نفسها على دعوتي إلى التشكيك في "حسن نية" ملكة جمال إسرائيل في قضية الـ"سيلفي" الشهيرة، وعلى قولي إن دعاة نظرية المؤامرة ليسوا مختلفين عن ضحايا السذاجة السياسية، وإنه إذا كان لا يصحّ التخوين وإظهار ردود فعلٍ مبالغٍ فيها، فلا يصحّ كذلك تبرئة العدوّ سلفاً من خبثٍ وتلاعبٍ، هما من سماته، بحجة "مباراة جمالية لا علاقة لها بالنزاعات بين البلدان": عند الصهيوني والإسرائيلي كل شيء -تقريباً- له "علاقة"، وكل ظرف قد يمثّل مناسبة سانحة لتسجيل النقاط.
وصلت إلي رسالة القارئة المذكورة يوم ذكرى "أوشفيتز" التي حلّت قبل أيام، فلم تجد بدّاً، بالطبع، من تذكيري بكل الفظاعات التي عاناها اليهود أيام النازية. قالت: "أنا حفيدة امرأة نجت بأعجوبة من تلك المجزرة، وفي كلماتك المتحاملة ما يجعل هذا الجرح يواصل النزف".
لم تكن هذه القارئة "الفرنسية اليهودية" نفسها، تعرف أني أنا بدوري حفيدة امرأة نجت من مجزرة لا تقل فظاعة عن تلك، هي المجزرة الأرمنية. ولكن، شتان بين "استثمار" مجزرة وأخرى. هي لم تكن تعرف أيضاً أن وصول خطابها تزامن مع انتهائي من قراءة رواية الكاتب الفرنسي ميشال ويليبك الأخيرة، "خضوع"، التي يتخيل فيها سيناريو "أبوكاليبتيا" حيث يخوض حزب إسلامي معركة الحكم في فرنسا. عندما أغلقتُ الكتاب، الذي يغذّي نزعة الإسلاموفوبيا في
أوروبا، لكن الكثير من النقاد يحتفون به على الرغم من ذلك؛ باعتباره تحفة أدبية (بحجة أن "الكتابة التخييلية شيء والواقع شيء آخر، ولا ينبغي الخلط بينهما كي لا يصير الكاتب رقيب نفسه"، وهذا ما أوافق عليه تماماً، تخيّلتُ، للحظة، بعيداً بالطبع من حجج العنصرية ومعاداة السامية، ماذا كانت لتكون ردود الفعل لو أن ويلبيك استبدل سيناريو حكم حزب إسلامي لفرنسا، بسيناريو حكم حزب صهيوني لها.
تخيّلوا معي.
(نقلاً عن صحيفة النهار اللبنانية)