منذ أن وصل الرئيس باراك
أوباما إلى البيت الأبيض في يناير عام 2009 -ثم أعيد انتخابه لولاية ثانية وأخيرة عام 2012- وسجله يخلو تماما من أي إنجاز حافل في الشأنين الداخلي والخارجي، يخلّد الرئيس أوباما ويضعه بين الرؤساء العظام والكبار في تاريخ النظام السياسي الأميركي.
في الشأن الخارجي يسعى الحزب الجمهوري في الكونغرس الأميركي عن طريق قيادات الكونغرس لمحاصرة الرئيس أوباما وحرمانه من تحقيق إنجازات تُحسب له.
وتسعى قيادات الحزب الجمهوري ممثلة برئيس لجنة الشؤون الخارجية الجمهوري الجديد السيناتور كوركر مع السيناتور الديمقراطي المتشدد بوب ماننديز بتقديم حزمة من العقوبات على
إيران في حال فشلت المفاوضات في التوصل لاتفاق إطار في مارس 2015، قبل التوصل لاتفاق نهائي في يوليو 2015.
وقد هدد الرئيس أوباما المحاصر من الجمهوريين في خطاب «حالة الاتحاد» في نهاية يناير الماضي -وبشكل استفز الجمهوريين- بالتهديد باستخدام الفيتو حق النقض في حالة فرض مجلس الشيوخ عقوبات جديدة على إيران أثناء فترة التفاوض بين مجموعة 5+1 وإيران.
وكان ملفتا ما أوردته صحيفة وول ستريت جورنال في الأسبوع الماضي عن إرسال المرشد الأعلى في إيران رسالة للرئيس أوباما ردا على رسالته في اكتوبر الماضي في تطور ملفت. لكن الخارجية الإيرانية سارعت لنفي إرسال الرسالة، بالرغم من تأكيد الخبر على لسان دبلوماسي إيراني حتى أنه أورد بعض ما تضمنته رسالة المرشد لأوباما. وكذلك استشهدت في مقالي في الأسبوع الماضي بافتتاحية صحيفة واشنطن بوست في مطلع فبراير الجاري: عن «القلق الكبير من الاتفاق النووي المقترح مع إيران». خاصة أن الاتفاق يحتوي ولا يجمد برنامج إيران النووي، ولا يأخذ في عين الاعتبار قلق ومخاوف حلفاء واشنطن من تمدد مشروع إيران. وأخيرا استعداد أوباما لاستخدام الفيتو لتمرير الاتفاق النووي مع إيران وشطب العقوبات عليها دون موافقة الكونغرس. وبالتالي فإن الاتفاق النووي على هذه الخلفية سيكون له تداعيات كبيرة بما فيها على الأمن القومي الأميركي، بما فيها سباق تسلح نووي في المنطقة، يفرضه رئيس لم يتبق له سوى عامين في البيت الأبيض يفرض الاتفاق بشكل فردي ودون مشاركة الكونغرس.
ناهيك عما قد يشكله هذا الاتفاق من فقدان الثقة بواشنطن التي تتقارب مع إيران على حساب دول مجلس التعاون الخليجي. وما يشكله ذلك من تنازلات كبيرة لمصلحة إيران. ويؤكد هوس إدارة أوباما بالتوصل لاتفاق نووي نهائي بأي ثمن. وهذا بالتأكيد يُعرّض علاقة واشنطن مع حلفائها لامتحان صعب.
كما يسعى صقور الحزب الجمهوري لإحراج أوباما وبشكل وقح بدعوة رئيس مجلس النواب جون باينر رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو لإلقاء كلمة أمام جلسة مشتركة للمجلسين عن خطر برنامج إيران النووي دون التنسيق مع البيت الأبيض. وسارع رئيس مجلس النواب الأميركي جون باينر للتأكيد أنه ليس بحاجة لموافقة أوباما ليدعو نتانياهو لإلقاء خطاب في الكونغرس.. ما اعتبره الرئيس أوباما والبيت الأبيض تجاوزا للأعراف الدبلوماسية والبروتوكول بسبب عدم التنسيق مع البيت الأبيض. ولأن الزيارة تأتي وسط حملة الانتخابات البرلمانية في إسرائيل -(ما يشكل دعاية كما تراه إدارة أوباما وحتى أوباما شخصيا)- يستغلها نتانياهو ضد منافسيه وهذا ما لن يسمح به الرئيس أوباما الذي لا تربطه علاقة ودية على المستوى الشخصي مع نتانياهو.
حتى نفهم ونستوعب استراتيجية الرئيس أوباما ومقارباته لأزمات العالم من الصراع العربي الإسرائيلي إلى الانسحاب من العراق وأفغانستان، ومن التردد في التعامل بقوة وحزم مع جرائم وتجاوز الأسد لخطوط أوباما الحمراء والتراخي في مواجهة طائفية وسياسة نوري المالكي الاقصائية وتحويل العراق لدولة ملحق وتابع لإيران ما ساهم ببروز وتمدد تنظيم الدولة الإسلامية، والانسحاب من العراق، قبل ثلاثة أعوام، ثم العودة إليه بالتدرج بسبب وحشية وإجرام وإخلال تنظيم الدولة داعش بموازين القوى وتهديد المصالح الأميركية واختطاف وقطع رؤوس الأميركيين، علينا أن نفهم شخصية وعقيدة الرئيس أوباما ومقارباته وهروبه إلى الأمام من التعامل مع الأزمات. علق الرئيس أوباما في مايو 2014: «ليس لأن أميركا تملك أفضل مطرقة في العالم ينبغي أن ننظر لأزمات العالم كمسامير؟» كما ترك في عام 2011 عملية قيادة الحرب على نظام العقيد معمر القذافي ردا على الثورة الليبية لحلف الناتو وفرنسا. يومها أطلق مسؤول في إدارة أوباما مصطلح «القيادة من الخلف» حيث أثار الكثير من التساؤلات حول معناه ومغزاه. وأكد أوباما والمسؤولون في إدارته أن لا
حروب كبيرة وطويلة ومكلفة كحربي العراق وأفغانستان بعد اليوم ولا مشاركة للقوات الأميركية في قوات برية على الأرض في أي حرب مستقبلية. أذكر يومها علقت في مقابلات صحفية وكتبت مقال «أوباما آخر أباطرة أميركا!» وبالتأكيد أثار الموقف الأميركي ذاك مخاوف وقلق حلفاء واشنطن وأراح وأسعد خصومها. الذين فسروا ذلك الموقف بأنه تراجع وتآكل لزعامة أميركا على المسرح الدولي.
في الأسبوع الأول من فبراير الجاري أرسل البيت الأبيض الاستراتيجية المعدلة والمنقحة لإدارة أوباما والتي عرفت بـ «استراتيجية الصبر» للكونغرس. الاستراتيجية هي ترجمة واقعية لعقيدة الرئيس أوباما الرافضة للحروب والمواجهات المفتوحة والطويلة والمكلفة كحربي العراق وأفغانستان، ورفض شن الحروب بشكل آحادي. وتقدم لائحة طويلة لموقف الولايات المتحدة الأميركية من مختلف القضايا والملفات المعقدة في الشرق الأوسط. ولكن الملفت في الاستراتيجية هو غياب تهديد إيران للأمن القومي الأميركي ما يشكل سابقة ويفسر بالتنازل!
وكان مُلفتا تقدم الرئيس أوباما، المعارض للحروب، والذي يكرر بأنه انتخب لإنهاء الحروب وليس لبدء حروب جديدة، فإذا بأوباما يسحب قواته من العراق ويخفض عديدها تمهيدا لسحبها من أفغانستان، ويشن حربا طويلة وبلا أفق على الإرهاب وواجهته تنظيم داعش. وهذا بحد ذاته مفارقة أن يعود الرئيس أوباما تدريجيا ليس للعراق فقط، ولكن ليشن حربا في سوريا أيضاً، بحجة محاربة تنظيم داعش ويقود تحالفا دوليا من ستين دولة في حربه!
وطلب الرئيس أوباما في الأسبوع الماضي تفويضا من الكونغرس باستخدام القوة العسكرية ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا وخارجهما. لكن التفويض لا يشمل قوات برية وسيكون بديلا عن تفويض الرئيس بوش الابن لعام 2002 الذي استُخدم لشن حرب على العراق ومقيدا بثلاثة أعوام. ما يعني أن الرئيس أوباما عندما يترك البيت الأبيض في يناير 2017 سيورث هذه الحرب المفتوحة والمكلفة على داعش لخليفته! كما ورِث حروب بوش قبل ستة أعوام.
(نقلا عن صحيفة الوطن القطرية)