أثارت خطوة إقالة سفير
الائتلاف الوطني السوري في قطر، هذا الشهر، التكهنات حول خطوات أخرى يمكن أن تتبعها في سياق عملية "تطهير" داخل الائتلاف، لكن الأمر قد لا يبدو بهذه البساطة.
فلئن جاءت إقالة سفير الائتلاف في قطر نزار الحراكي بعد اللغط الكبير الذي ثار بشأن تمديد جوازات سفر السوريين، وهي المسألة التي طرحت إشكاليات ومخاوف قانونية وأمنية، فإن ما تردد عن "إقالة" وزيرين بتهم مختلفة لم يجد ما يدعمه، مع نفي مصادر في الحكومة المؤقتة التي يقودها أحمد طعمة هذه الإقالة، مشيرة إلى عدم حصولهما على ثقة الهيئة السياسية للائتلاف.
وكانت المعلومات قد تضاربت حول بدء تمديد جوازات سفر السوريين، عبر لصاقات توضع على الجوازات المنتهية صلاحيتها. وبينما كان الحراكي قد أعلن تاريخ محدد لبدء العملية، حذر خبراء قانونيون من أن مثل هذه الخطوة ستكون غير قانونية، وستعرض حامل الجواز للاتهام بالتزوير في المطارات، باعتبار أن الأمم المتحدة ما تزال تعترف بالنظام السوري، وبالتالي فإن أي وثائق تصدر عن جهة أخرى ستعدّ مزورة، وهو الموقف الذي اعتمده رئيس الائتلاف الوطني السوري
خالد خوجة مع تسلمه مهامه الجديدة الشهر الماضي.
ومع استبعاد وزيرين من الحكومة المؤقتة، بدا أن هناك نية لدى الائتلاف مع قيادته الجديدة في إحداث تغييرات كبيرة. لكن المستشار في الحكومة المؤقتة محمد سرميني يعلق بالقول بأن هذه "ليست حملة تطهير.. إنما هي خطوات تصحيحية". ويضيف: "إقالة (الحراكي) إدارية.. والغرض العمل بطريقة مؤسساتية"، لافتا إلى أن للأمر علاقة بمسألة الجوازات بالتحديد.
وكانت إقالة الحراكي في 3 شباط/ فبراير الجاري قد جاءت دون توضيح الأسباب، حيث اكتفى بيان للائتلاف بإعلان "إنهاء تكليفه"، وتقدم "بجزيل الشكر والتقدير للسيد نزار الحراكي على ما بذله من جهد في سبيل خدمة قضية الشعب السوري طوال فترة توليه مهامه سفيرا للائتلاف الوطني في دولة قطر"، مضيفا: "كلنا ثقة بالسيد نزار الحراكي، وبأنه سيستمر في خدمة الثورة السورية من خلال وجوده في الهيئة العامة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية".
وتقول مصادر إن الحراكي انفرد في اتخاذ القرار وإعداد التجهيزات لبدء التمديد، رغم أن الأمر من صلاحية الحكومة المؤقتة التي تضم دائرة للأحوال المدنية والجوازات، يديرها الضابط المنشق في دائرة الهجرة والجوازات في
سوريا العميد عثمان هلال، وكان قد رفض الإدلاء بأي تعليق حول الموضوع حينما اتصلت به "عربي21"، كما رفض دبلوماسي سوري منشق التعليق على المسألة باعتبارها "قضية حساسة".
ولكن ماذا عن "إقالة" وزير المالية في الحكومة المؤقتة إبراهيم ميرو ووزير الطاقة إلياس وردة؟ ينفي سرميني ذلك أيضاً. ويقول لـ"عربي21": "لا توجد إقالة لوزيرين، هؤلاء ليسوا وزراء أصلا.. لم ينجحوا بالانتخابات (التصويت في الائتلاف)، وكانوا يسيرون الأعمال" فقط.
وربما مما يعزز حماسة سرميني في نفي عملية "التطهير"، ما قاله أحد أعضاء الائتلاف، حينما توجهت إليه "عربي21" بالسؤال عما إذا كان الائتلاف قد بدأ بـ"الاستيقاظ" بالفعل، حيث رد بطريقة قطعية ويائسة بأنه "لا أمل" في ذلك، وفق تقديره.
وتمثل قضايا مثل جوازات السفر، والإغاثة التي تتولاها وحدة تنسيق الدعم التابعة للحكومة المؤقتة، ناهيك عن الدعم العسكري لفصائل الجيش الحر، من بين القضايا التي يجري تقييم أداء الائتلاف على ضوئها من جانب جمهور الثورة السورية. ففي حين يربط الائتلاف مسألة إصدار الجوازات أو تمديدها بالاعتراف الدولي القانوني، أي الاعتراف به بديلا عن نظام بشار الأسد، يشكو من ضعف الدعم العسكري الدولي الواصل لوزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة وقيادة أركان الجيش الحر. وسبق أن أعلن عدد من قيادات المجالس العسكرية داخل سوريا استقالاتهم بسبب عدم تلقيهم الدعم العسكري من الائتلاف.
وفي السياق ذاته، توجه انتقادات لوحدة تنسيق الدعم بضعف قدرتها على إيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين، خصوصا في ظل العواصف الثلجية والظروف الجوية القاسية. وردت الوحدة مرارا بنشر قوائم مفصلة بالدعم الذي تلقته وكيفية توزيع المساعدات، وهي ضئيلة مقارنة باحتياجات الواقع، وهو الأمر الذي تشكو منه أيضا الحكومة المؤقتة التي تقول إنها لم تتلق سوى جزء يسير مما وعدت به بعض الدول.
وفي ظل هذه الأوضاع، وبينما لم تشهد مفاصل الائتلاف تغييرات تذكر حتى الآن، باستثناء التغيرات في رأس الهرم، يبدو أن العمل السياسي لهذا الجسم الذي يُنظر إليه على نطاق واسع باعتباره الوجه السياسي الأبرز للثورة السورية، هو الذي يُشغل الحيز الأكبر في نشاط الاتئلاف. ولكن مع ذلك، فقد تراجعت الحماسة الدولية والإقليمية تجاهه.
فعلى المستوى العربي، وبينما حضر أول رئيس للائتلاف، أحمد معاذ الخطيب، مؤتمر القمة العربية في الدوحة عام 2013، استبعد الائتلاف من قمة الكويت عام 2014 وتُرك مقعد سوريا فارغا مع رفع العلم الذي يعتمده النظام السوري. وبعد ذلك، تنصلت الجامعة العربية من وعودها بمنح الائتلاف مقعد سوريا في الجامعة، حيث كان القرار السابق بحصوله على المقعد بمجرد تشكيل حكومة، لكن يبدو أن التغييرات السياسية في مصر وضعت هذه الخطوة خارج التداول. كما أسهمت التجاذبات الإقليمية في إضعاف الائتلاف بشكل كبير، مع تحوله إلى تكتلات تدور في فلك هذا التحالف أو ذاك، ما أغرقه في مشكلات داخلية تخفت أحيانا، وتتصاعد أحيانا أخرى.
دوليا، وإلى جانب عدم حصوله على الاعتراف القانوني، بدا أن الائتلاف أصبح يُنظر إليه باعتباره مجرد إطار ليكون جزءا من مرحلة "الحل السياسي" مع نظام الأسد، وبناء على ذلك، أقر الائتلاف الذي مثل المعارضة في مؤتمر "جنيف2"، "وثيقة المبادئ الأساسية حول التسوية السياسية في سوريا" مؤخرا، رغم أن القوى الكبرى باتت ترى إدخال قوى جديدة في المفاوضات تحت مظلة المعارضة.
ورغم افتتاح الائتلاف تسعة مكاتب تمثيلية دول حول العالم، لم يحصل أي منها على صفة دبلوماسية أو وصف "سفارة"، باستثناء الممثلية في قطر. وبسبب ذلك لا تستطيع هذه المكاتب الحصول على أي مزايا دبلوماسية أو تقديم أي خدمات مباشرة للجمهور.
تتصاعد الهجمات ضد الائتلاف بين من يصنفون أنفسهم ضمن جمهور الثورة، ويتهمونه باتهامات شتى، بين التقصير والفساد، لكن الائتلاف يذكر دائما بمسؤولية المجتمع الدولي، وهو واقع يدركه الكثير من السوريين، لكنه ليس بالضرورة مقنعا لهم.
هذا يذكر بما تعهد به الرئيس الجديد للائتلاف بعيد انتخابه باستعادة "ثقة" السوريين بالائتلاف، وطلب مساعدتهم ودعمهم، فهل نجح في ذلك؟ بعض منتقدي الائتلاف عبروا عن تفاؤلهم بعد إقالة الحراكي، وتوقعوا خطوات أخرى، لكنها لم تأت حتى الآن.