نقل المعلق ديفيد إغناطيوس عن مسؤول أمريكي قوله إن "قرار إدارة الرئيس باراك أوباما التحاور مع
مصر تغلبت فيه الواقعية السياسية على المثالية".
ويقول الكاتب في مقالته، التي نشرتها صحيفة "واشنطن بوست"، إن عبد الفتاح
السيسي "بالتأكيد لا يسهل على أمريكا التعاون معه"، فقمعه للمعارضة يتفوق على القمع الذي مارسه الرئيس المخلوع حسني مبارك، كما أنه وسع حملة الملاحقة لتضم الإخوان المسلمين والناشطين العلمانيين، وبينهم من ساعده في الوصول إلى السلطة عام 2013، ويضيف تخريب الديمقراطية فصلاً محزناً وجديداً إلى تاريخ مصر الحديث".
ويرى إغناطيوس أن مصر مهمة اليوم، خاصة بعد الهزة الأرضية المزدوجة التي تعرض لها العالم العربي السني، وتتمثل بإيران وتنظيم الدولة. ويجب على الرئيس باراك أوباما تقديم الدعم السياسي والعسكري لمصر. فمخاطر ترك مصر تنزلق نحو الفوضى واضحة، ولا يمكن لأي إدارة تجاهلها.
ويقول الكاتب: "إن رأى أوباما أن وجود مصر قوية ضروري، فعليه التوقف عن لعبة الوقوف على جانبي الشارع. فقد تعرض الشعب المصري لصدمة أربع سنوات من الثورة والثورة المضادة، ويريد معرفة إن كانت الولايات المتحدة هي حليف حقيقي أم لا".
ويدعو إغناطيوس إلى الاستمرار في توجيه انتقادات لسجل النظام المصري في مجال حقوق الإنسان، مستدركاً بأن على واشنطن أن توضح أنها بلد صديق يريد نجاح مصر.
وتنقل الصحيفة ما كتبه مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس جورج بوش، ستيفن هادلي: "تعد مصر مهمة اليوم أكثر من الماضي؛ لأن تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط مهم، وليس لدينا شركاء كثر ليساعدونا، ولو انزلقت مصر نحو هاوية الفوضى فهذا سيعقد المشكلة".
ويستدرك هادلي بأن السيسي لا يمكنه "تحقيق الاستقرار عبر القمع"، وأنه سيفشل إلا إذا تبنى منهجاً أكثر شمولية، بدلاً من غطرسة الرئيس المصري في التواصل مع الإخوان، الذين فقدوا المصداقية لدى معظم المصريين. ويقول هادلي إن على الولايات المتحدة تشجيع السيسي لتعزيز صلاته مع المتظاهرين الشباب الذين صنعوا ثورة ميدان التحرير، بحسب الصحيفة.
ويرى الكاتب أن جون كيري، الذي كان من الأصوات القيادية الداعية إلى التحاور والتعاون مع النظام المصري، عين مبعوثاً غير رسمي في القاهرة، وهو ديفيد ثورن، زميله في الدراسة في جامعة ييل، ويعد اليوم مستشاراً بارزاً لوزارة الخارجية. ويجد إغناطيوس في هذه الزمالة بين الرجلين لمسة شخصية تؤثر على المصريين، مع أنها لم تؤد إلى تحقيق تنازلات في مجال حقوق الإنسان.
ويبين إغناطيوس أن كيري يريد التركيز على المساعدة الاقتصادية، وهو محق في هذا، ويخطط للمشاركة في "مؤتمر التنمية الاقتصادية" في شرم الشيخ الشهر المقبل، حيث تحاول مصر إقناع المستثمرين بفتح استثمارات لهم في مصر، ويرى أن حالة مصر الاقتصادية قد تعززت، حيث توقع صندوق النقد الدولي أن النمو الاقتصادي المصري سيرتفع من 2 بالمئة في الأعوام الأربعة الماضية إلى 3.8%، ويصل تدريجياً إلى 5%. وهذه أخبار جيدة، كما يقول، ولكنها لا تصل إلى المستوى الذي سجل في عهد مبارك.
ويشير الكاتب إلى أن مصر تحتاج إلى دعم عسكري أيضاً، ولديها حالة جيدة لطلب الدعم، خاصة أن القاهرة انخرطت وبقوة في مكافحة
تنظيم الدولة. فبعد أشهر من التأجيل قرر الكونغرس الإفراج عن 1.3 مليار دولار لشراء مقاتلات "إف-16" ودبابات أبرامز وأسلحة أخرى. وهذه الأسلحة لن تساعد مصر في مواجهة مصاعبها الأمنية والتمرد بطيء الوتيرة في سيناء، والانفجارات المنتظمة في القاهرة. ولكن وجود جيش مصري قوي ومدرب على يد القوات الأمريكية سيكون إضافة للأمن الإقليمي.
ويفيد إغناطيوس بأن وجود مصر قوية تلقى دعماً قوياً من الولايات المتحدة، سيجعلها عماداً قوياً للعالم السني، وستخفف من المخاوف التي تحملها دول سنية من أن واشنطن تقوم بتشكيل تحالف جديد مع إيران. وهذا يعد حجة جيدة للسيسي، حيث يعمل على إعادة التوازن السني – الشيعي، الذي يعتمد عليه استقرار المنطقة، خاصة بعد توقيع اتفاقية الملف النووي مع إيران.
ويورد الكاتب أن مصر تؤدي دوراً مهماً ومتزايداً في الحرب الأيديولوجية ضد التطرف. وقد دعا السيسي إلى ثورة دينية، فيما دعا شيخ الأزهر أحمد الطيب إلى إصلاح التعليم الديني الإسلامي، لتصحيح "التفسيرات الفاسدة" التي سمحت لنمو التطرف.
ويختم إغناطيوس مقاله بالتساؤل: "لماذا أطلق السيسي النار على قدمه بسجن الصحفيين والناشطين العلمانيين، الأمر الذي دمر سمعة ومصالح مصر؟ ربما جاء هذا التصرف والدمار الذاتي نتاجاً لمرحلة ما بعد الاستعمار التي تخشى وتمقت كل ما هو غربي".