قبل المأساة الإنسانية الكبرى التي وقعت في
مصر في الثلاثين من يونيو، عندما وقع الانقلاب العسكري، كانت آلة الدعاية السوداء الجبارة التي يديرها عدد ممن طفوا إلى السطح في غفلة من الزمن، بإشراف عدد ممن اعتقدوا أنهم أنصاف آلهة، وبتمويل داخلي وخارجي ينتمي في معظمه إلى تجارة الحرب، واقتصاد المافيا، تهيئ المجتمع المصري لعهد جديد، لن يكون الضمير والشعور الإنساني جزءا منه.
إذ قبل نكبة الديموقراطية والإنسانية في 30 يونيو، تحالفت وسائل الدعاية مع تيارات سياسية وفكرية كانت أكثر إرهابا وترويعا بحق الآمنين مما يروج له أو ينقل عن تنظيم الدولة الإسلامية، المعروف بداعش.
وبالعودة بالذاكرة لشهور ليست بالبعيدة منذ الإعلان الدستوري الثوري، الذى أعلنه الرئيس محمد مرسي، لتحصين ثورة يتربص بها الداخل، مدعي الثورية، قبل الخارج الراغب في قمع الشعب المصري ومصادرة حريته، كان التحريض الإرهابي ضد التيار السياسي المنتمي له رئيس الجمهورية، وتشجيع البلطجية وشبيحة النظام بقتل أنصاره وحرق مؤسسات حزبه، ومنازل مؤيديه، متصدرا للمشهد، والصحف والمواقع الإلكترونية تعج بالكثير من الأحداث المروعة في هذا الصدد.
منذ الإعلان الدستوري، والقوى السياسية المنسوبة زورا لليبرالية ومنظروها يرتكبون في حق المصريين جرائم ضد الإنسانية، ويصمتون على انتهاكات بالجملة يستحيل أن يقرها إنسان أو يقبل بها عاقل. وبتكرار هذه الأفعال والجرائم، بدءا من التحريض الوحشي ضد جماعة الإخوان المسلمين المنتمي لها الرئيس، مرورا بأبشع الأفعال ضدها وضد مقرها العام، كان آخرها استشهاد عدد من المواطنين من المنتمين للجماعة في هجوم دموي قاده عدد من نجوم الفضائيات والحركات الثورية وغيرهم، وانتشرت لهم تسجيلات مصورة لأفعال همجية، بحق مؤيدي الرئيس، لا يمكن تصور حدوثها في القرون الوسطي.
في هذه الواقعة المشهورة التي عرفت في وسائل الدعاية، بأحداث " مكتب الارشاد" بالمقطم ، تداول المصريون فيديو وحشيا لعملية سحل مواطن وضربه بالحجارة بلا رحمة وسط مجموعة أخرى ممن نزعت الإنسانية من صدورهم، وهو لا حول له ولا قوة، وكان في خلفية المشهد أصوات تأييد وتصفيق ممن قاموا لاحقا بالثلاثين من يونيو.
هذا المواطن البريء المسحول، كان أحد المحكوم عليهم بالإعدام في القضية التى لم تتحرك إلا بعد انقلاب دموي، جاء للقضاء على ما تبقى من إنسانية في مجتمع غارق، في الخرافة والشعوذة، تحت تأثير وساعل دعاية إرهابية.
القاضي الذي حكم على المواطن شاهد في المحكمة الفيديو الوحشي لعملية السحل والضرب بالحجارة، وسأل المواطن: إنت لسه عايش بعد ده كله؟! هذا القاضي أصدر حكما بالإعدام ضد هذا المواطن مع ثلاثة آخرين، وأعطى أحكاما بالمؤبد لجملة من قيادات جماعة الإخوان المسلمين.
وبالعطف على القضية التي أخذت حيزا ليس بالقليل من وسائل دعاية النظام الأسبوع الماضي، وهي قضية ذبح كلب بصورة وحشية، لم ينل هذا الحدث المروع بحق إنسان وصدور حكم ضده أي اهتمام، مثله في ذلك المحامي الذي صنع به منتمون زورا لجنس البشر، مالم يفعله المنتمون لداعش بأعداء لهم يقاتلونهم. ومثله أيضا محمود رمضان الذي حكم عليه بالإعدام في قضية إلقاء عدد من البلطجية والقتلة المتربصين بالثوار الرافضين للانقلاب العسكري في الإسكندرية من فوق بناية، لكن القضية تحولت فجأة ضد من حاول وقف إجرام وإرهاب البلطجية في إعلام غارق في عمليات القتل والتطهير المكارثي ضد شعبه.
وفي مجتمع غارق في تطوير فعل الانحطاط الإنساني تأييدا لقائد رديء الصنع والصنعة، بات من الصعب اعتقال لحظات ضمير هاربة، وإعادة إنسانية مهاجرة إلى شعب عرف فيما مضي بالركون للسلام، ويتملقه أي طرف بالمشاعر الإنسانية، واتضح جليا الآن أن داعش أكثر رحمة وإنسانية بأعدائها من نظام 30 يونيو الوحشي وأنصاره.
فلا منظمات حقوقية تنتفض، ولا كتائب ومليشيات من الكتاب تواجه أفعال السلطة الوحشية، فلا الضحايا، في نظرهم ينتمون للبشر، ولا أفعال السلطة تستحق الانتقاد، إذًا لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، و"مصر" 30 يونيو تحارب الإرهاب حاليا. ذلك المنتج الوهمي الذي استجلبه إرهابيون فشلة، في محاولة للهروب من مستنقع انهيار وضعوا مصر فيه.