هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يرى باحثون علميون أمريكيون أن التغيرات المناخية أدت دورا مهما في النزاع الحالي في سوريا. ويعتقد الباحثون أن التصحر والجفاف وارتفاع معدلات الحرارة قد تؤدي إلى اندلاع حروب في منطقة الشرق الأوسط، خاصة في الأردن ولبنان.
وكان الباحثون العلميون قد تنبأوا بأثر التغيرات المناخية على السلم والأمان الاجتماعيين، وأنها قد تكون مصدرا للنزاعات، حيث يؤثر ارتفاع معدلات الحرارة والجفاف على الزراعة، ما يؤثر على الثروات الطبيعية والمصادر المتوفرة للسكان.
ويشير التقرير إلى أن الحرب في سوريا هي أول حرب نتجت بسبب التغيرات المناخية، وقد ربطها الباحثون العلميون بهذه الظاهرة.
ويقول الباحثون إن ارتفاع درجات الحرارة قد أثر بشكل كبير على زيادة معدلات الجفاف، وهو ما دفع البلاد نحو الحرب الأهلية. فقد أدى الجفاف إلى تدمير الزراعة، ودفع سكان الريف إلى هجرات جماعية نحو المدن، التي كانت تعاني أصلا من مشاكل فقر ومن مشاكل عدة نتجت عن تدفق ملايين العراقيين إلى سوريا، هربا من الحرب الأهلية التي اندلعت في بلادهم بعد الغزو الأمريكي عام 2003.
ويقول المؤلف المشارك في الدراسة، ريتشارد سيغر من جامعة كولومبيا في نيويورك: "التغير المناخي ساعد على دفع الأمور نحو الحافة، وفتح الباب أمام النزاع". وأضاف: "أعتقد أن هذا مخيف، وهو فقط البداية، وستتواصل الظاهرة في هذا القرن كله، نتيجة التصحر والجفاف في مناطق شرق البحر المتوسط، ولا أعرف كيف ستكون الأمور هناك".
ويحدد التقرير كلا من تركيا ولبنان وإسرائيل والأردن والعراق وأفغانستان مناطق مرشحة لحدوث حروب أهلية؛ بسبب قلة المصادر الناجمة عن الجفاف والتغيرات المناخية، وتاريخ النزاعات في هذه البلدان.
ويرى الباحثون أن إسرائيل قادرة على تجاوز الأزمة؛ نظرا لثرائها وتصديرها لمعظم منتجاتها.
وتشير الدراسة إلى أن الدول التي تعاني من الجفاف المزمن، مثل الصومال والسودان، ليست بعيدة عن الحروب، بالإضافة إلى أجزاء من أمريكا الوسطى، خاصة المكسيك غير المستقرة، التي تعاني من الجريمة، وتتراجع فيها المصادر المائية.
وكان النزاع السوري قد بدأ عام 2011، مع بداية الربيع العربي. وتطور من نزاع سلمي إلى حرب متعددة الوجوه، وتشارك فيها عدة دول. وقتل في الحرب حتى الآن ما يزيد على 210 آلاف سوري، وشرد فيها ثلاثة ملايين، وثلث السكان باتوا نازحين في ديارهم.
وتفيد الدراسة، التي ستصدر في أبحاث الأكاديمية الوطنية للعلوم، بأن النزاع السوري سبقته موجات من الجفاف ضربت سوريا في الفترة ما بين 2006 و2010.
وتبين الدراسة أن توقيت الجفاف لم يكن عرضيا، حيث التقى الباحثون مع أحد المزارعين، واسمه محسن (38 عاما) من شمال شرق سوريا، وسئل عما إ ذا كان النزاع بسبب الجفاف أم لا، فأجاب: "طبعا، الجفاف والبطالة كانا عاملين مهمين في دفع الناس نحو الثورة، وعندما حدث الجفاف تحملناه لمدة عامين وبعد ذلك قلنا (كفى)".
واعتمد الباحثون في التحليل على معلومات وبيانات اجتماعية واقتصادية ومناخية لها علاقة في منطقة "الهلال الخصيب"، التي تضم العراق وسوريا وتركيا، حيث بدأت الزراعة والرعي فيها قبل 12 ألف عام.
وتوضح الدراسة أن معدلات درجات الحرارة في المنطقة ارتفعت بمعدل 1- 1.2 درجة مئوية في بداية القرن العشرين، وهو ما أدى إلى تخفيض معدلات الأمطار بنسبة 10%. وبالإضافة إلى التغيرات المناخية وظاهرة الاحتباس الحراري، التي وجد الباحثون أنها نتجت عن الانبعاثات الغازية والبيوت الزجاجية، فقد شهدت سوريا نموا سكانيا من أربعة ملايين في الخمسينيات من القرن الماضي إلى 22 مليون اليوم.
ويلفت التقرير إلى أن عائلة الأسد الحاكمة شجعت على زراعة القطن وتصديره، حيث إن زراعته تحتاج إلى استخدام كميات كبيرة من المياه. فيما أثرت عمليات حفر الآبار بطريقة قانونية إلى تراجع كميات المياه الجوفية، التي ربما ساعدت على توفير الاحتياط المائي.
وتورد الدراسة أن آثار الجفاف كانت واضحة، فقد تراجع الإنتاج الزراعي، الذي يمثل ربع الاقتصاد السوري، إلى الثلث. وفي الشمال الشرقي من البلاد تمت إزالة المراعي والماشية، وارتفعت أسعار الحبوب، وزادت الأمراض المتعلقة بسوء التغذية بين الأطفال. واضطر 1.5 مليون شخص إلى ترك الريف، واتجهوا نحو المدن.
ويقول المؤلف الرئيس للدراسة كولن كيلي: "سواء كان الجفاف عاملا رئيسا أو جوهريا في الحرب أم لا، فإنه من الصعب معرفة السبب، لكن الجفاف قد يؤدي إلى آثار مدمرة عندما يرافق المشاكل الموجودة".
وتجد الدراسة أن ضغوط التغيرات المناخية خطيرة؛ لأنها تحدث على خلفية تزايد مطرد في معدلات النمو السكاني، وتراجع في المصادر الطبيعية.