قضايا وآراء

ترتيب البيت الداخلي للثورة السورية

جلال زين الدين
1300x600
1300x600
تنهي الثورة السوريّة عامها الرابع دون أن تحسم الأمور، فما زالت الساحة تشهد عمليات انشطار بين الفصائل المعارضة على الأرض، كما أنه يزداد في الوقت عينه التغول الطائفي المدعوم إيرانياً بلا حدود، لتأخذ الثورة منحًى سوداويا لم يرده السوريون عندما تفتح ربيع ثورتهم قبل سنوات.

ولعل أبرز ما يُميزُ الثورة السورية، وهي تدخل عامها الخامس وضوح الرؤية، وانكشاف الأوراق، فكانت الأعوام الماضية كفيلة بالفرز الذي نعتقد أنه سيستمر، ونتيجة عمليات الفرز، وتمايز الصفوف بدأ كل فريق يطهر بيته الداخلي مستعداً للسيناريوهات القادمة.

اتَّضحَ بعدَ أربع سنوات بما لا يدع مجالاً للشك أنّ بيت النظام طائفي بامتياز، ولم يعد ثمة مكان للوطنية السورية، أو القومية العربية، ولا سيما بعد ارتماء النظام في الحضن الإيراني دون حول أو قوة، فأسند لإيران قيادة العمليات العسكرية والأمنية على امتداد الأرض السورية، وعليه فإنَّ الولاء يقاس بحجم القبول والتعاون مع الطائفيين الإيرانيين، فبات النظام يعدم ضباطاً ومقاتلين بالجملة بتهمة الخيانة، وعدم إطاعة الأوامر العسكرية (الإيرانية)، وربما في هذا السياق تندرج عمليات تصفية ضباط رفيعي المستوى كرستم غزالة، وستستمر عمليات الترتيب وفق مقياس طائفي.

أمّا على صعيد الجيش الحر فقد كشفت الأعوام المنصرمة مدى المعاناة والآلام التي مرّ بها، إذ خُدع الثوار بداية بمواعيد عرقوب الإقليمية والدولية، وكان الدعم هزيلاً يكاد يجعله غير قادر على الصمود فما بالك تحقيق نصر على نظام مخابراتي عسكري مستبد، كما عمل النظام على زرع خلايا نائمة في صفوف الثوار لاستخدامها في الوقت المناسب وما أكثرها مستغلاً عفوية الثورة التي تصل حد الفوضى العسكرية، وعدم وجود أجهزة أمنية ثورية تملك خبرة كافية.

كشف تسلسل الأحداث كثيراً من هذه الخلايا، ولا سيما بعد امتلاك الثوار الخبرة، إذ حصلت عمليات تطهير وتنظيف كبيرة لهذه الخلايا التي انحصرت مهامها باغتيال قادات، وإحداث تفجيرات، وإعطاء إحداثيات للطيران، وجمع معلومات، وزرع الفتنة، وتشويه سمعة الثوار بعمليات سلب ونهب وخطف وسرقة، وأخيراً تسليم جبهات للنظام.

رغم كل ذلك ما زال الثوار ينجحون في كشف هذه الخلايا النائمة، وآخرها اكتشاف خلية في جنوب دمشق، وأخرى في حلب مهمتها المرابطة على الجبهات ليصار لتسليمها للنظام، ولا ننسى تطهير الثورة من تنظيم الدولة بداية 2014م فحصل تمايز تحملت الثورة وما زالت ثمنه دون أي دعم.

أمّا جبهة النصرة المحسوبة على تنظيم القاعدة فتأثرت سلباً بتمدد تنظيم الدولة الذي كاد يقضي على وجودها في سورية بعد انسحاب كثير من مقاتليها، وانضمامهم لتنظيم الدولة، لكنها أعادت ترتيب صفوفها الداخلية وتحالفت مع قوى ثورية سورية ذات طابع إسلامي مكنها من تحقيق انتصارات أعادت لها شعبيتها.

بقي القلق الخارجي يراود النصرة باعتبارها محسوبة على القاعدة، فبادرت النصرة لاستئصال قوًى ثورية –زعمت النصرة أنها- محسوبة على أمريكا، ويُعتقد أنها قد تكون نواة لقتال النصرة مستقبلاً، فالنصرة تستبق الأحداث حتى لا تضرس الحصرم ثانية كما حصل مع تنظيم الدولة.

أما تنظيم الدولة فكان دموياً في تنظيف بيته الداخلي في المناطق التي سيطر عليها، فقام بمئات الإعدامات ليس بحق معارضيه فحسب بل من يشك بمعارضته للتنظيم، فأعدم كثيراً من الثوار سواء في الجيش الحر أو النصرة بعد إعطائهم الأمان، ووصل الأمر لإعدام من يتعاون مع الإعلاميين، مما اضطر كثيراً من أصحاب النَّفَس الثوري لمغادرة مناطق التنظيم خوفاً من التصفية، وحصل للتنظيم مراده، لأنّ التنظيم يؤمن أنّ سياسة الرعب كفيلة بتطهير البلاد من أصحاب الفكر المنحرف (الثوري).

يهدف كل فريق من عمليات ترتيب بيته الداخلي تحصين الموقف العسكري الأمني، بعد أن اقتنع كل فريق أنّ الحسم لا يمكن أن يكون إلا عسكرياً، وبالتالي لا بدّ من القضاء على أي قوة معادية في مناطق سيطرته سواء أكانت داخلية أو خارجية. كما يهدف كل طرف لسحب الشرعية من الطرف الآخر، فهذا يصف خصمه بالخائن، وذاك بالمرتزق، وذاك بالمرتد، وآخر بالعميل.

ويبقى نجاح إجراءات كل فريق رهناً بتقبل الشارع الشعبي والثوري لترتيباته، وستلعب الحاضنة الشعبية دوراً في النهاية التي ستؤول لها عمليات الفرز، وهنا –فيما نزعم- تتبدى عورات النظام والتنظيم اللذين تجمعهما نقاط كثيرة، فكلاهما لا يعتمد على العنصر الوطني، إذ يعتمد النظام على الميليشيات الأجنبية الطائفية، ويعتمد التنظيم على ما يسمى المهاجرين وكلاهما يحاول شراء الولاءات بالرعب حيناً والمال حيناً، وكلاهما يحكم بالحديد والنار، ويأخذ الشعب بالشبهة دون الدليل، فبات العيش في مناطق سيطرتهما ضرباً من المقامرة والمغامرة، ولو فرض حظر جوي على مناطق الثوار لرأيت موجات من الهجرة من مناطق النظام والتنظيم لمناطق الثوار.

مع اقتراب الثورة من عامها الخامس، قد نشهد ربما نوعاً جديداً من الاصطفافات سواء العسكرية أو الفكرية، فالوضع في سورية لم يعد شأناً سورياً خالصاً، ويبقى ذلك –فيما نعتقد- رهناً بالتجاذبات والتحالفات الإقليمية والدولية.
التعليقات (0)

خبر عاجل