كتب مراسل صحيفة "الغارديان" جوناثان ستيل مقالا حول معاناة الفلسطينيين في مخيم
اليرموك قرب دمشق.
ويقول الكاتب إنه بعد أربعة أعوام من الحصار شدد النظام السوري حصاره على من تبقى من سكانه وعددهم 18 ألف نسمة.
ويضيف ستيل أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين لم تعد تستطيع الدخول إلى المخيم، رغم أنها قامت في العام الماضي بجهود لتوزيع مواد الإغاثة الإنسانية على أهالي المخيم الذين اضطروا لأكل الأعشاب. وأصدر أحد الأئمة فتوى تبيح لهم أكل لحوم القطط والكلاب والحمير عام 2013.
ويشير الكاتب إلى أن المخيم الذي أقيم عام 1957 كي يمنح الملجأ للفلسطينيين الذين شرّدتهم إسرائيل عام 1948، تحول إلى سجن كبير وأسوأ مكان في
سوريا. ويطلق السكان على المخيم اسم "غزة السورية"، لكن الحياة في المخيم أسوأ؛ لأن الحصار على اليرموك شامل.
ويتحدث ستيل كيف دخلت قوافل الأمم المتحدة إلى المخيم في 18 كانون الثاني/ يناير، حيث علم السكان بوصولها، فخرجوا جماعات للحصول على المساعدات. ولم تكن المواد الغذائية التي جلبوها معهم تكفي إلا للمئات. ويتذكر عمال الإغاثة مشاهد صادمة، وكيف وقعت امرأة نحيلة على الأرض، ولم تستطع الوقوف لضعفها وماتت في مكانها. وكان للمشاهد التي رأوها أثر صادم عليهم، لدرجة أنهم احتاجوا فيها للمساعدة النفسية.
وتبين الصحيفة أنه في 31 كانون الثاني/ يناير قررت الأونروا تسيير قافلة جديدة، وأحضرت معها مصورا محليا التقط صورة جسدت المعاناة السورية، وتحولت إلى رمز للصراع السوري.
ويذكر الكاتب أن الأمم المتحدة أعلنت عن حملة على وسائل التواصل الاجتماعي "# دعونا نمر"، حتى تنشر الوعي بمعاناة أهل اليرموك. ودخل على العريضة ملايين الذين طالبوا بوضع الصورة على أعلى لوحتين إعلانيتين في العالم. ففي "تايمز سكوير" في نيويورك ومنطقة "شيبويا" في طوكيو وقف الناس أمام شاشة عملاقة وهم يأخذون لأنفسهم صور "سيلفي"، وقاموا بإرسالها إلى اليرموك، وذلك نوعا من التضامن. وبهذه الطريقة دخل مخيم اليرموك الوعي والضمير العالميين.
ويلفت التقرير إلى أن العالم تعاطف مع المخيم لفترة، ولكنه سرعان ما نسيه وانشغل بالقضف الإسرائيلي على غزة صيف عام 2014. ويذكر أن سكان المخيم لم يتوفر لهم طعام سوى 131 يوما من العام الماضي، فقد توقفت عمليات الإغاثة البسيطة منذ 6 كانون الأول/ ديسمبر 2014، ولم تعد قوافل الأونروا قادرة على الدخول إلى المخيم.
وتنقل الصحيفة عن المتحدث باسم الأونروا كريس غانيس، قوله: "تأتينا تقارير عن أناس يموتون بسبب سوء التغذية ونساء يمتن أثناء الولادة، ولكن لا شيء يمكن تأكيده".
ويكتب ستيل عن قصة المخيم مع بداية الحرب الأهلية السورية، حيث حاول سكانه البقاء على الحياد وعدم الدخول في قصة الحرب الأهلية.
ويستدرك التقرير بأن مخيم اليرموك لم يكن الأسوأ الذي تضرر من سنوات الحصار، بل الأكثر عددا من السكان المحاصرين، حيث يعيش الآن فيه 18 ألف نسمة.
ويرى الكاتب أن ما جرى للمخيم يعد لوثة عار في جبين النظام الذي يحاول تقديم نفسه حامي حمى القومية العربية ودرع المقاومة التي توفر الحماية للاجئين الفلسطينيين. ومع ذلك تحول المخيم إلى قاعدة للمقاومة ضد النظام، ويتعرض للقصف والحصار من جيشه .
ويشير التقرير إلى أن مخيم اليرموك كبر وأصبح جزءا من دمشق، وحصل سكانه
الفلسطينيون على المميزات ذاتها التي حصل عليها السوريون من التعليم والصحة والمشاركة السياسية، وبلغ مستوى الاندماج بين الفلسطينيين والسوريين نسبة لا مثيل لها في العالم العربي.
وكان ستيل قد زار المخيم لأول مرة عام 2003، حيث كان يشهد موجة من الغضب على جورج بوش وتوني بلير بسبب قرارهما غزو العراق. وشارك عدد من الفلسطينيين في الحرب ضد الولايات المتحدة، لكن وضع المخيم تغير مع بداية الانتفاضة عام 2011. فقد حاول النظام إحكام سيطرته على المخيم وسكانه، ووضعه تحت المراقبة الدائمة من الأجهزة الأمنية.
ويرى نضال البيطاري من المنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان في سوريا أن النظام يتحمل مسؤولية دخول المعارضة السورية إليه واحتلاله. وذلك عندما مكن الجبهة الشعبية - القيادة العامة من المخيم. ودفع الفلسطينيين للتظاهر في ذكرى النكبة عند الحدود مع الجولان المحتل، حيث قتل 12 فلسطينيا. ففي الأول من أيار/ مايو 2011، وأثناء التحضيرات ليوم النكبة، بدأ النظام يروج لفكرة التظاهر على الحدود ومرتفعات الجولان المحتلة.
ويفيد التقرير بأنه عندما سقط ضحايا من أبناء المخيم اندلعت تظاهرات في أثناء تشييعهم، حيث شارك فيها 30 ألف شخص. وعبر السكان عن غضبهم وحاصروا مقر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة، وهي المنظمة التي يقودها أحمد جبريل، وتعد من المنظمات الداعمة للنظام السوري، ويعتمد عليها في إدارة أمن المخيم. وعندما رد حرس المقر بإطلاق النار وقتلوا صبيا عمره 14 عاما، عندها أضرم السكان النيران في البناية.
ويقول الكاتب إن الأحداث شجعت المعارضة السورية، حيث رأت في المخيم قاعدة دعم لها، ويضيف أن الجيش السوري الحر وجبهة النصرة خططا في كانون الأول/ ديسمبر 2012 للهجوم على دمشق والإطاحة بنظام
الأسد. وعدّا مخيم اليرموك المعبر الرئيسي لهما.
ويستدرك ستيل بأن قصف النظام للمخيم في 16 كانون الأول/ ديسمبر، وسقوط العشرات زاد من مشاعر الغضب لدى السكان، وهو ما منح المعارضة الفرصة لدخول اليرموك.
ويوضح الكاتب أنه بعد هذا التطور رد النظام السوري بشراسة على المخيم، وهاجمه بالطائرات والدبابات، ودمر البنايات وحولها إلى أنقاض. وخلال أيام هرب مؤيدو الجبهة الشعبية – القيادة العامة منه، مع أن بعض أفرادها انشقوا للمعارضة. وأدى القصف الجوي والمدفعي إلى هروب معظم سكانه، إما إلى مناطق في سوريا أو إلى مخيمات اللاجئين في لبنان والأردن.
وتبين الصحيفة أنه بعد سيطرة المعارضة على مخيم اليرموك، ردت الحكومة على الهزيمة بفرض حصار على المنطقة. في البداية لم يكن الحصار شاملا، حيث كان بإمكان السكان الحصول على الطعام رغم غلائه ومحاولة التجار الإثراء. وفي تموز/ يوليو 2013 قررت الحكومة السورية تشديد الحصار بدرجة أصبح فيها شاملا.
ويجد ستيل أن الغريب في الأمر أن يجد الحصار على الفلسطينيين دعما من أحد قادة الجبهة الشعبية، وهو أبو أكرم، الذي التقاه الكاتب في شقة قرب المخيم، ولم يكن خجلا من التعبير عن دعمه لحصار إخوانه الفلسطينيين، ودافع عن موقف النظام. وقال إنه ضروري؛ لأن المساعدات التي تقدمها الأونروا تنتهي بيد المقاتلين الذين يبيعونها في السوق السوداء، ويضيف: "رأينا كيف تأخذ الجماعات المقاتلة الطعام من المدنيين". وانتقد تخفيف الحصار عام 2014، باعتباره قرارا غير صحيح، ويقول: "لو واصلنا فرضه لأسبوع آخر لأجبرهم الجوع على الاستسلام".
ويختم ستيل تقريره بالإشارة إلى حالة الخوف التي تعتري السكان الذين خرجوا من المخيم، فلا أحد يريد الحديث عن مأساة اليرموك، بل ويرفض مسؤولو الأونروا الخوض في الموضوع حتى لا يغضبوا الحكومة ويخسروا ما سمحت لهم به.