نشرت صحيفة "الأبسرفتور" الفرنسية تقريرا حول تعليقات الصحفي بول موريرا حول
فيلم القناص الأمريكي للمخرج كلنت إيستوود، قال فيها إنه كان موجودا في
العراق سنة 2004، وإن الفيلم الذي يتحدث عن قنص أمريكي لمئة وستين مقاتلا لم يصور حقيقة ما حدث هناك، بل غيّر الحقائق لدرجة أثارت غضبه.
وذكر التقرير أن هذا الفيلم تم إخراجه بتقنيات عالية الجودة، انطلاقا من سيناريو جميل، وبالاستعانة بممثلين جيدين، بحيث بدا الفيلم واقعيا وصادقا، وهنا تكمن المغالطة، كما يقول التقرير.
والفيلم مأخوذ عن كتاب يدّعي تصوير قصة حقيقية لقناص أمريكي، ويبرز شجاعة الجنود الأمريكان في شوارع عراقية مليئة بالمتمردين المجانين الدمويين، ويحاول إقناعنا بأن الأمريكان يبذلون جهدا كبيرا للتفريق بين المدنيين والمسلحين قبل الضغط على الزناد، فيما لا يظهر العراقيون إلا عبر عدسة بندقية القنص.
ونقل التقرير شهادة الصحفي الذي قال: "ذهبت لبغداد أربع مرات في 2003 و2004 و2005 و2006. وأذكر ذات مرة أني كنت في الحي الشيعي، مدينة الصدر، وكان مقاتلو جيش المهدي يشتبكون مع قوات الاحتلال الأمريكية، وهي المعارك التي ظهرت في الفيلم. وقضيت أسبوعا كاملا إلى جانب المقاتلين العراقيين وسكان الحي، ولم أشاهد أبدا ما تحدث عنه الفيلم. أنا لا أقول إن الجنود كانوا يقتلون المدنيين بشكل عشوائي ومكثف في الشوارع، ولكن في عدة مناسبات كانت خطة الجيش الأمريكي تقضي بمعاقبة المدنيين جماعيا".
وذكر الصحفي في شهادته التي نقلتها الصحيفة الفرنسية أنه يذكر إحدى أعنف الليالي التي تعرضت فيها المنطقة لهجمات الطائرات الأمريكية التي ملأت السماء بأضواء وأصوات الصواريخ التي كانت تطلقها على كل شيء يتحرك على الأرض، بالتزامن مع الإطلاق المكثف للمدافع الرشاشة. وأكد أن كل من كان يتواجد ضمن نطاق النار كان يُقتل، لأن القذائف تخترق جدران البيوت. وفي الصباح كانت هناك العشرات من الجثث المكدسة يعود أغلبها لمدنيين، إذ إن إطلاق النار الكثيف من المدفع الرشاش لا يسمح بالتفريق بين مدني وعسكري.
واتّهم الصحفي الجيش الأمريكي بتعمد استهداف المدنيين؛ لدفعهم لمطالبة المقاتلين بالاستسلام تحت ضغط الخسائر الثقيلة.
وأكد الصحفي موريرا أنه لم يشاهد القناص الأمريكي النبيل المتردد قبل الضغط على الزناد بسبب خوفه على المدنيين، كما يصور الفيلم، بل شاهد "الرشاش الأمريكي" الذي قام برش الرصاص على مستشفى للأطفال، هو مستشفى الحبيبية الموجود في مدخل مدينة الصدر. ففي يوم الجمعة 10 أيلول/ سبتمبر 2004، وعلى إثر صدور طلق ناري منه، قامت دبابة من نوع برادلي بإمطار المستشفى بالمدفع الرشاش الخارق للجدران والمعادن، ما أدى لمقتل عاملين ومريض بالمستشفى، وألحق ضررا كبيرا بالجدران، وأدى لانفجار أنبوب أوكسجين.
وتحدث موريرا عن عامل عراقي في المستشفى كان يرتعد من الخوف ويمسح على وجهه ويصيح: "شاهد يا صديقي، لقد مات الحارس، لقد استهدفوني وحاولوا قتلي، فاختبأت وراء البوابة الحديدية، ومرت الرصاصة قرب رأسي، لماذا يفعلون هذا؟ شاهد اللافتات، وشاهد الزي الذي أرتديه، أنا هنا لأحمي المستشفى".
كما نقل الصحفي شهادة طبيب اسمه ألان فاضل، عمره 27 سنة، كان مصابا بجروح خطيرة وممددا على السرير وغير قادر على تحريك رجليه، في غرفة تعج بعشرات الرجال.
وينقل موريرا عن الرجل العراقي قوله: "لقد اخترقت رصاصة فخذي عندما كنت في غرفتي في مبيت الأطباء، ولم أفهم شيئا. فقد سمعت الطلق الناري في الخارج، وظننت أنني في مأمن منه، فقد كانت الدبابة في الجانب الآخر من المستشفى، وتفصلني عنها عدة جدران. ولكن يبدو أن الرصاصة تجاوزت خمسة حواجز، واخترقت جسمي، ثم واصلت مسارها، لقد أطلق الأمريكان النار بشكل عشوائي على المستشفى؛ لأنهم سمعوا صوت طلق ناري من هذه الجهة. أنا لا أفهم كيف يستعملون هذا النوع من الذخيرة الفتاكة، وبهذه الطريقة الهمجية، ثم يغادرون المنطقة بدون أن يكلفوا أنفسهم عناء التثبت مما اقترفوه في حقنا، فحياتنا بالنسبة لهم لا قيمة لها. والمفارقة الأكبر هي أنني لست من المتعاطفين مع المقاومة العراقية، فقد كنت آمل أن يمكن التدخل الأمريكي من تحويل بلادي لدولة ديمقراطية ولكن أحلامي تبخرت اليوم".
وقال الصحفي إنه اقترب من الجنود الأمريكان في محاول ليفهم ما حدث، وكيف مرت تلك الممارسات دون أن يلاحظها "رادار القيم الأمريكية النبيلة". ولهذا الغرض زار القاعدة العسكرية "Camp Cuervo" قرب مدينة الصدر، ونقل للرائد بيل ويليامس شهادته حول مأساة مستشفى الحبيبية ومعاناة المدنيين، فأجابه القائد الأمريكي بأن العدو يختبئ خلف المدنيين، وأن الجنود تلقوا تعليمات بعدم إطلاق النار على المدنيين والمباني السكنية.
وهنا أصر الصحفي على تجاوز هذا الخطاب الخشبي، والحصول على توضيح بشأن حوادث إطلاق النار العشوائي على المستشفى، فأجاب الرائد بلا مبالاة بأنه لا يعرف هذا المستشفى أصلا. وقال له: "نحن تائهون في بغداد، لا نعرف أسماء الشوارع والأحياء، ولا نحسن قراءة اللافتات، ودليلنا الوحيد أثناء التحرك داخل الدبابة هو الحاسوب المتصل بجهاز تحديد المواقع GPS الذي يحدد لنا موقعنا. ونحن مهددون في حال تعرضه لأي عطب بالضياع وعدم القدرة على العودة للقاعدة العسكرية".
وهنا روى الصحفي أنه رفع عينيه للجدار المقابل، فرأى خريطة مفصلة للمنطقة، ووقعت عيناه على اسم مستشفى الحبيبية مكتوب بخط عريض، فوضع إصبعه عليه وقال: "هنا". فارتبك الرائد ويليامس وأنكر وجود رجاله في تلك المنطقة، وأكد أنه لم يسمع أبدا عن إطلاق نار قرب ذلك المستشفى.
وعلق الصحفي على تلك الحادثة بأن موقف الرائد يبين بوضوح أن الفوضى التي كانت سائدة جعلت الجنود في حل من تبرير أفعالهم، وهذا هو سبب عجز الجيش الأمريكي عن تقدير الخسائر البشرية التي أوقعها في العراق.
وقال بول موريرا إن فيلم "القناص الأمريكي" يبقى مجرد فيلم أنتجته ماكينة الدعاية
الهوليودية، يمكنه مغالطة الرأي العام، ولكن لا يمكنه مغالطة الصحافة الاستقصائية.
ويقول موريرا: لمن يريد معرفة الحقيقة ومشاهدة الواقع بعيدا عن الخيال الهوليودي، أنصحه بمشاهده فيديو "أضرار جانبية" الذي تم نشره ضمن تسريبات ويكيليكس، وتظهر فيه طائرة أباتشي وهي تقوم بإطلاق النار على حافلة تقل مدنيين عراقيين، ويرافقه صوت الطيار الذي لم يكن مترددا، بل كان مستمتعا بارتكاب تلك الجريمة التي أدت لإصابة عدة أطفال.
وفي هذا السياق، ذكر تقرير الصحيفة الفرنسية أن الجندي برادلي مانينغ الذي كشف تلك الحقائق ضمن تسريبات ويكيليكس يقضي حكما بالسجن لعشرات السنوات، وهو ما يبين كم هي خطيرة عملية كشف الحقيقة.
(عن صحيفة الأبسرفتور الفرنسية Nouvel Observateur)
رابط التقرير الأصلي
https://leplus.nouvelobs.com/contribution/1336855-american-sniper-d-eastwood-j-etais-en-irak-en-2004-le-film-ne-decrit-pas-la-realite.html