بعد التطورات العسكرية والسياسية الأخيرة في
العراق ودخول حمامات الدم في الحرب الأهلية الطاحنة هناك مرحلة متقدمة، والدخول الإيراني المباشر في عمق الأزمة العراقية، وتحول إيران لعنصر فاعل وحاسم وقائد لكل عمليات الحشد والقتال ونتائجها الميدانية المباشرة يبدو واضحاً بأن سيناريو الأحداث في العراق بات يتجه نحو نهايات مرسومة بدقة في معامل
الحرس الثوري الإيراني، الذي يدير ملفات صراع إقليمية ساخنة تبدأ من كابل الأفغانية، وتستقر بكثافة في العراق وتعبر نحو الشام التي أضحت قلعة من قلاع النفوذ الإيراني، وتهبط جنوباً لمضيق باب المندب وللبوابات الجنوبية لجزيرة العرب! دون تجاهل نقطة التوتر المفصلية في مملكة البحرين التي ترد اليوم هجمة هي الأخطر في تاريخها المعاصر!
التصريحات الأخيرة لكل من جعفري قائد الحرس الثوري الإيراني، وعلي شمخاني أمين مجلس الأمن القومي الإيراني وعلي يونسي مستشار الولي الفقيه، وتحركات السردار قاسم سليماني في العراق جميعها مؤشرات واضحة على وصول النفوذ الإيراني في العراق لمرحلة النضوج ومن ثم الحصاد!!، فالمعارك الأخيرة في تكريت التي شهدت زخماً استشارياً إيرانياً عبر الاستعانة بما سمي بالقوات المشتركة!! وهو تعبير عسكري لوجستي استعمله النظام الإيراني خلال مرحلة الحرب مع العراق (1980/1988) قد شهدت الاستعانة بعناصر الميليشيات، وغالبيتها تعود ولاء وتنظيماً وتدريباً وتسليحاً وعقيدة قتالية وطائفية للنظام الإيراني، وهي مجرد فروع عراقية للحرس الثوري الإيراني، وأنيطت قيادتها بالعناصر العراقية العاملة في خدمة المشروع الإيراني منذ بواكيره عام 1979 وأبرزهم هادي العامري، ومن ثم مساعد السردار قاسم سليماني جمال جعفر محمد (أبو مهدي المهندس) الإرهابي القديم والمحكوم بالإعدام في
الكويت عام 1983 ، الذي يعتبر اليوم القائد الميداني المباشر لقوات الحشد الشعبي، والهدف الإيراني من الموضوع كما بينه قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري في تصريحات مثيرة سابقة له، هو تكوين مؤسسة الحرس الثوري العراقي!!لتكون رديفاً عقائدياً وحقيقياً للجيش الوطني، ولتكون هي الجيش العقائدي الطائفي الأصيل بينما يتحول الجيش الرسمي لمؤسسة هامشية!! في تكرار فج للتجربة الإيرانية!!، وهذا المخطط لا يشمل العراق فقط بل يمتد للشام حيث تأسست ميليشيات طائفية برعاية إيرانية، هي بمثابة حرس ثوري سوري!!، ويصل الموضوع لليمن من خلال تحويل (أنصار الله) الحوثية لمؤسسة الحرس الثوري اليمنية!! دون إغماض العيون الإيرانية عن البحرين!!، المخطط الإيراني واسع وطموح وتحققت أهداف كبيرة منه في العراق بأوضاعه الراهنة وهذا ما يفسر القلق الأمريكي من الدور الإيراني المتعاظم رغم أن الأمريكان لا غيرهم هم من يتحمل المسؤولية الأولى فيما آل الوضع إليه في العراق؟، فتحت رعايتهم المباشرة تغلغلت ثم حكمت الأحزاب الطائفية ذات المرجعية الإيرانية، وكان الجميع في العراق يعلم بما ستؤول إليه الحال؟ فكيف غاب ذلك عن الذهن الأمريكي!؟
المهم إن مؤسسة (الحرس الثوري العراقي) هي اليوم في طور الإعداد النهائي ووضع اللمسات والرتوش الأخيرة ثم الإشهار العلني، وسيكون قائد الحرس الثوري الجديد بكل تأكيد شخص واحد لاغير ولابديل عنه وهو (أبو مهدي المهندس)!!، وهنا سينتصب السؤال المحرج القاتل والمثير أيضاً: ما موقف دولة الكويت؟ وهل ستسكت عن هذا التطور الدراماتيكي؟ وكيف سيتم التعامل الإقليمي والدولي مع هذا التطور خصوصاً وأن المهندس متهم بتهم إرهاب دولي حكم عليه خلالها بالإعدام وهرب جماعته من السجون الكويتية خلال الغزو العراقي عام 1990، ومنهم أحد قياديي حزب الله اللبناني (إلياس فؤاد صعب)!! والمتهم لاحقاً بقتل الرئيس رفيق الحريري عام 2005!! وهو محمي بالمظلة الإيرانية أيضاً؟ فهل سيسكت الكويتيون احتراماً للعلاقة مع العراق؟ ولو سكتت حكومة الكويت وعضت على الجرح، ماذا سيكون موقف الحرس الثوري العراقي من دول المنطقة خصوصاً دولتي الكويت والبحرين!! التي هي محط لهجمة حرسية إيرانية لا تعرف الهوادة!!. ثمة احتمالات وسيناريوهات مستقبلية في غاية الإثارة، وأحداث الشهور القادمة ستكون أقرب للخيال، فتابعوا وانتظروا وتأملوا كيفية إدارة الصراع في أسخن منطقة في العالم!
(نقلاً عن صحيفة بوابة الشرق)