لك أن تتابع هذا المشهد ليكون مدخلا لتحليلك على ما ستقرأ في هذا المقال، في ذلك الحر الصيفي
العراقي اللاهب يقف جندي من الجيش العراقي ليسأل صاحب السيارة الهونداي سوداء اللون: "من أين أنت قادم؟ والى أين ذاهب؟"، قد يكون الجواب على سؤال كهذا سهلا، ولكن الصعوبة تكمن في الساعة والنصف التي قضاها السائق حتى وصل إلى نقطة التفتيش ليسأله الجند بعد ذلك سؤالا كهذا!
ومن هنا، انتقل بشكل سريع إلى مشهد آخر، حيث كان يقف في المكان ذاته عنصر من تنظيم الدولة، وفي المهمة ذاتها "تفتيش المارة"، عنصر التنظيم لم يؤذ الناس من طول الانتظار، وكان يُحيي سائقي السيارات بتحية أجمل من تحية، ويقدم لهم الحلوى، ويذكرهم بضرورة ارتداء النساء الخمار والغطاء الشرعي، المشهدان مختلفان كثيرا بكل تأكيد، وما زاد ارتياح السائق أن عناصر التنظيم لا يتأخرون في نصح هذا ودعوة ذاك إلى الصلاة وإلى عمل جميع الأدبيات الإسلامية التي تريح النفس.
كان الناس في
الموصل يرون أن عناصر تنظيم الدولة لا يترددون في قول الخير وفعله، وفي مجتمع محافظ كالمجتمع الموصلي، يسعد الإنسان عندما يرى السلطة توجهه نحو الجامع وأداء فروض الله وطاعاته، حتى إن بعضهم كان يقول: لا توجد حياة أجمل من حياة الإسلام.
تنظيم الدولة ليس جديدا على الموصل بكل تأكيد، فجميع الناس هنالك يعلمون أن التنظيم كان يجمع الإتاوات بشكل شهري، ولكن الجديد أن عناصر التنظيم الذين ظهروا بهذا الخلق-في بادئ الأمر- ليسوا عناصر التنظيم الذين كانوا يبتزون الناس ويسرقونهم، الموصل أصبحت آمنة في الأشهر الأولى إلا من بعض القصف حتى بات يخال للمتجول في مدينة الموصل أنها مدينة قد تنافس عمّان من ناحية الأمن والهدوء.
لم يستطع تنظيم الدولة الاستمرار بخلق الصحابة الذي أظهروه، وانتشرت أخبار عن حدوث سرقات في وضح النهار يقوم بها عناصر التنظيم، ووقعت مظالم كثيرة يشيب لها حتى الرضيع، ولي هنا أن أسرد قصة حسن الذي طرق باب بيت (ع ف) في ظهيرة ذلك اليوم الغائم ودون قرار محكمة صريح وواضح طلب منهم تسليم المفتاح والخروج دون أي شيء.
وبعد جدال وكلام طويل دار بين صاحب البيت وحسن، قال لهم حسن إن صاحب البيت مرتد، ويجب مصادرة جميع أمواله، وأمرهم -وبتهديد السلاح- أن يخرجوا فورا، وأن يرفعوا عليه قضية بعد اثنين وسبعين ساعة في محكمة الدولة إن أرادوا، خرج سكان البيت ومشاعرهم مختلطة بين خوف وحزن، إلا أن حسن في تلك الليلة الغائمة توجه مع ثلاثة شبان وسيارة حمل كبيرة لينهبوا البيت ويسرقوا كل شيء فيه عدا الجدران، انتهت قصة البيت وشاءت الأقدار أن يموت حسن بحادث قبل عدة أيام، والعجيب هنا ما قالته زوجته بأن في بيتها أموالا تقدر بمليون دولار نقدا.
الحقيقة تقول إن عناصر التنظيم استطاعوا بأفعالهم الإسلامية التي ركزوا عليها في أيامهم الأولى من دخول المدينة أن يجذبوا عددا من السكان إلى جانبهم، ولكن التجاوزات التي أعقبت ذلك ولدت ردة فعل عكسية تجاه التنظيم، وبات الناس الذين رحبوا بقدومهم يعرفونهم بشكل واضح ويعرفون سرقاتهم وتطاولاتهم على المدينة وأهلها.