تقع
بانياس التابعة لمحافظة طرطوس على خليج واسع على البحر المتوسط، غرب
سوريا، ويسكنها الكثير من الآلام، آلام النازحين والثائرين الذين ذُبحوا بصمت، ويُحاول من تبقى منهم العيش بإرادةٍ صلبة، وسط تضييق النظام عليهم بأكثر من عشرة حواجز تقطّع أوصالها، وتحسب لهم كل حركة.
كانت بانياس والقرى المحيطة بها من أولى المناطق التي ثارت ضد النظام السوري، وشهدت مظاهرات سلمية حاشدة، لكنها دفعت الثمن، فتعرضت لحملات عسكرية أمنية، رافقتها اعتقالات وانتهاكات واسعة، وتخريب للبيوت والمساجد، فبات قسم كبير من شبابها بين معتقل أو مشرد.
يحاول أحد النشطاء المدنيين، ويدعى "ف.م"، بشتّى الوسائل وضمن الممكن والمتاح أن يقدّم شيئاً لأهل بانياس، ويشرح لـ"عربي21" حال بانياس والمعاملة "الخاصّة" التي يعامل بها النظام هذه المدينة التي كانت من أولى المدن الثائرة ضد الظلم والطغيان.
يقول "ف.م": "حاولنا كثيراً إنشاء جمعيّة إغاثيّة في بانياس، لكن الأمن كان يقف لنا بالمرصاد، فالموافقة الأمنية هي الخط الأحمر الذي شطب لنا الكثير من المحاولات، ومنها تلك التي حاولنا في رمضان أن نطعم فيها بعض الجائعين، لكن حتى الجوع كان من أهمّ وسائل النظام للوقوف في وجه الأمل،.
ويتابع: "انتقلنا بعدها للجمعيّات المدنيّة التي تعمل في مدينتي طرطوس واللاذقيّة، ومنها "موج" التي تشرف عليها "أسماء الأسد" وتقوم بتوزيع المواد الإغاثيّة للموالين فقط"، مضيفاً: "كنّا نرى كنشطاء في بانياس أنّ إقامة فرع لها في بانياس قد يشكّل خطوةً مهمّة لكسر هذا الحاجز، لكنّ حتّى هذه الجمعيّة شطبت بـ"أحمر الأمن" الذي جعلنا نشعر في آخر المطاف باليأس من محاولاتنا هذه".
ويوضح "ف.م" لـ"عربي21" أنهم يقومون الآن "بأعمال غير مرخّصة، لكنّها مكبّلة وضئيلة، وصعوبة الحركة تعيقنا كثيراً في جمع المساعدات وتوزيعها، لكننا لن نتوقف عن عملنا هذا الذي يعبِّر عن وطنيتنا، وتضامننا مع كل طفل في هذه المدينة بأيّة وسيلةٍ كانت مرخّصة أم لا".
وعن نشاط الهلال الأحمر السوري في بانياس، الذي يتغنى به النظام كثيراً، يقول "ف.م": "جاءت القافلة من مدينة طرطوس بإشراف المحافظة، وتحت أعين رجال الأمن الذين وزعوا القليل منها في بلدة "البيضا" عندما كانت كاميرا التلفزيون تصوّر، وحاولوا أخذ جلّها للبيع، ويومها استطعنا توزيع الكثير منها، لكن بشكل عشوائي تحت وطأة خجل عناصر الأمن من أفعالهم هذه" حسب تعبيره.
ويبيّن "ف.م": "لم يعد هناك انقسام كبير في المجتمع، انكسرت حدّة التقوقع الطائفي عند
العلويين لحد كبير، وأصبح همّ جميع الناس العيش بهدوء وسلام، وذلك ليأسهم من نظام بشار الأسد ومن وعوده التي باءت جميعها بالخذلان، ومن خوفهم على أولادهم الذين باتوا يُأخذون بالقوّة إلى الجيش".
ويرى أنه لم "يعد هناك من مقدّسات "سياسيّة" في الوسط العلوي، لكنّ الأمن والجيش ما زال يقبض بكلّ قوته على الجميع، وما وظيفة تلك القطعات المتبقيّة في الساحل سوى ضمان حضور نظام الأسد بالقوّة في الساحل السوري" حسب تعبيره.
ويتابع "ف.م" حديثه لـ"عربي21" قائلاً: "ما زال النظام يحاول الحد بشكل كبير من اختلاط العلويين بالسنّة في مدينة بانياس، فالحواجز هناك على خطوط التماس، وأي شاب من الطائفة العلوية يحاول الوصول (للمناطق السنية) لعمل ما، سيتعرّض لتحقيق كبير عن سبب ذهابه للطرف الآخر، كما أنّ جميع النشاطات الاجتماعيّة شبه متوقّفة في هذه المدينة، ليبقى سوق المدينة الرئيسي نقطة التقاء جميع أطياف المدينة".