لا يزال هذا هو السؤال الشاغل لكثير من المتابعين والمراقبين والمعارضين للسيسي ونظامه، متى يسقط السيسي؟ ومتى ينهار؟ وهل اقتربت ساعته؟ وهذا السؤال طالما تم طرحه، فهو يعكس فعليا "انسحابا" من واقع المواجهة الحقيقية، فالذي يهدم جدارا وهو منهمك في عملية الهدم يدرك كم بقي له لإنجاز مهمته، صحيح أنه يترك احتمالا للصدف والمفاجآت، لكنه على الحقيقة يقدر نسبيا حجم الجهد المطلوب ومسافة الطريق اللازمة لإنهاء مهمته.
أما إذا طرح الشخص سؤال "متى" ربما دل هذا على نقص في المعلومات عن الطريق نفسه وعن جهد الشخص في معرفة ماهية "المعركة" التي يخوضها والطريق الذي يسلكه والجدار الذي يهدمه، فهنالك دراسات تقديرية هامة تتم قبل الشروع في مشروع ما تبحث حجم المشروع ونوعيته وحجم الجهد المطلوب من موارد بشرية ومالية ومدد زمنية "تقديرية" تحدد بشكل نسبي ما يحتاجه المرء لإنجاز هدفه، وبالتالي فلا يصح أن تنهمك في معركة لم تحاول دراسة طبيعتها على الحقيقة ولا ما تريده أنت منها ولا ما تتوقعه أنت من خصمك.
أما إذا أتينا لحالة "السيسي" لنعرف إجابة السؤال فإنه يسبقها دراسة الحالة المحيطة به (الخصوم/ الحلفاء/ معسكره)، أما خصوم السيسي المحليون فهم مضطربون بسبب الضربات الأمنية الشديدة بجوار غياب رؤية واضحة لم توضح بعد غايات الصراع الدائر وأدواته، كما أنها تعتمد أسلوب "القصور الذاتي" في التفاعل مع الأحداث ومبدأ الوقتية، أي التفاعل الوقتي دون الإعداد المسبق المنضوي تحت استراتيجية متوسطة المدى، كما أن النظام ناجح في المعركة النفسية نحو الشارع وأيضا في تكتيكات الإلهاء للخصوم كما أن تصدر نخبة هشة ورديئة في الجانب المعارض يجعلها عاجزة عن إنجاز أي خطاب ثوري حقيقي وقوي يمكنه النفاذ في الشارع أو الجماهير.
أما الخصوم الإقليميون فهنالك تقدم ملحوظ في أدائهم حيث أن قطر وتركيا في حالة استراتيجية أفضل بكثير من تلك التي تلت الانقلاب مباشرة وأعادوا ترتيب أوراقهم بما يتناسب والمستجدات الإقليمية وتم توظيف ملف "داعش/ إيران/ الحوثي" كمدخل لإعادة ترتيب أوراقهم الإقليمية وأنشأوا مجلس تعاون استراتيجي بينهم يمكنهم من التحرك ككتلة أمام كتل أخرى، كما أنهم اتجهوا للتواصل مع السعودية وقيادتها الجديدة لبناء منظومة تواصل أمام الخطر المشترك "الإيراني"، كما نجحت السعودية في تجاوز معضلة
مصر بالنسبة لتركيا في محاولة لتقسيم الملفات الإقليمية بما لا يهدد مصالح الجميع، لكن ربما يؤثر ذلك سلبا وليس إيجابا على الملف المصري، وأقصى ما يمكن أن يقدمه هو مصالحة لا تعيد
الإخوان أو مرسي للسلطة بل هي مضمونها "عفو" من النظام عن السجناء فقط!.
وفي حالة الحلفاء، أكدت السعودية والإمارات والكويت والإمارات على الدعم المتجدد بـ 12 مليار دولار بالإضافة لمشاريع استثمار مليارية في مصر مما يعني استمرار رؤية الخليج الداعمة لتمكين النظام العسكري بمصر رغم التقارب التركي السعودي والقطري، كما أن فوز نتنياهو يشكل دعما جديدا لصديق السيسي واستمرارا للتعاون "الخليجي/ الصهيوني" في ملف إيران ومصر ودعم صيغة التوافق بينهم حول هذه الملفات الرئيسية، كذلك قدمت المؤسسات الغربية والدول الكبرى اعترافا ضمنيا لمرتين بنظام السيسي أولاهما بالأمم المتحدة وثانيهما بالمؤتمر الاقتصادي ومستوى الحضور والتمثيل للمؤسسات الدولية الكبرى وبالأخص البنك الدولي.
أما معسكر السيسي الداخلي فقد عانى من بعض التراجعات والتصدعات في الفترة السابقة إلا أنه استغل المؤتمر الاقتصادي كـ"بروباجاندا" في حشد أجهزة الدولة كلها تحت سطوته بحيث أشعرها بقوته الدولية وسطوته وحجم المشاريع الواردة حتي لو كانت "وهمية" إلا أنها ذات أثر ورسالة نفسية لشعبه ومعسكره أنه قد استطاع انتزاع اعتراف دولي واسع به ودعم لامحدود لمشروعه السياسي وبالتالي يكون هو المرجعية المطلقة والصورة النهائية التي لايجب أن يختلف عليها.
بعد التناول "السريع" وغير المفصل للحالة الخاصة بالسيسي ومحيطه يتبين أنه لا يعاني كثيرا من خطر يتهدد "مستقبله السياسي" وموقعه في الدولة، بل إنه يتلقى دعما لامحدودا من جهات كبرى وحتى إن تلقى ضغطا سياسيا فهو يتعلق بتهدئة الأوضاع وليس بموقعه هو، وماقدمه للغرب من حرب على الإرهاب وتجريف لسيناء كان مطلبا أمريكيا سابقا وأوروبيا وبالتالي فهو خادم جيد وقوي.
يبقى أن ما يهدد السيسي هو مشروعه الاقتصادي الداخلي من حيث تخفيض الدعم على السلع الاساسية والمواد البترولية والكهرباء والتي ربما تكون مدخل توتر اجتماعي حقيقي مالم يستطع السيسي تجاوز هذا الخطر بحنكة سياسية، وهذه التوترات رهن بتوظيف جيد من المعارضة لها بحيث تكون ورقة مواجهة جديدة إلا أن التجارب السابقة كشفت عجز المعارضة عن توظيف القضية الاجتماعية كما أثبت السيسي نجاحا إعلاميا ونفسيا في الحد من آثارها الجانبية.
كما أن المعارضة الإسلامية الثورية وغيرها تعاني من ترهل وغياب هيكلة جيدة وضبابية رؤية ومسار، وعدم كفاءة الكوادر والوسائل الخاصة بالمواجهة وبالتالي إلى حين إنجاز إصلاح شامل ربما سينعم السيسي بستقرار مشوب ببعض التوترات والانفجارات التي يستطيع التعامل معها طالما لا توجد عناوين أكثر قدرة على خلق معركة كبرى ولم توجد كيانات بحجم الصراع وطبيعته.