كتب رسول توسون: بعد أن وصف نائب "
حزب الشعب الجمهوري" الخُطب التي تحضرها وزارة الشؤون الدينية لأيام الجمعة بقلة الاحترام لعدم ذكر "أتاتورك" فيها، قام بتحضير أسئلة برلمانية ليجيب عنها رئيس الوزراء.
أول هذه الأسئلة هو: "هل صحيح أن اسم "أتاتورك" لا يذكر في خطب الجمعة؟"، وفي السؤال الثاني سأل عمن يحضر هذه الخطب، وفي الثالث عن الأسباب.
علينا أن نسأل هذا النائب هل يجوز للدولة
العلمانية أن تتدخل في الشؤون الدينية؟ وبالتالي هل يجوز أن تقوم الدولة بكتابة
خطبة الجمعة في تركيا العلمانية؟ خطبة الجمعة هي جزء من عبادة صلاة الجمعة، والعبادة هي واجب العبد تجاه ربه، فعلى أي أساس تتدخل الدولة العلمانية بين العبد وربه؟ وهل يتوافق قيام الدولة بتعيين وزارة الشؤون الدينية مع مفاهيم العلمانية؟
إن السؤال الذي ينبغي أن نسأله حقاً هو: "ما دمنا في دولة علمانية فلماذا لا تنفصل وزارة الشؤون الدينية عن الدولة؟ لماذا يُنتخب وزيرها من قبل الدولة، وليس من قبل المجموعات الدينية؟".
إن سألتموه فسيدافع عن العلمانية بالطبع، ولكنه لا يعي أنه حين قدم مجموعة الأسئلة البرلمانية هذه قام بنفسه بمخالفة مفاهيم العلمانية.
وهناك مسألة أخرى وهي طرح النائب هذا الموضوع على هيئة أسئلة؛ أي أنه ليس متأكداً من الأجوبة. ويتضح من طريقة السؤال أن هذا النائب المحترم لم يحضر أي صلاة جمعة، ولم يسمع أي خطبة في حياته.
كما أنني لا أظن أبداً أن "أتاتورك" طلب من أحد أن يدعو له!
فأنا لا أتذكر في أي كلمة ألقاها "أتاتورك" بعد انقلابه أنه طلب من المؤمنين أن يدعوا له، أو أن يذكروا اسمه، وإن كان هناك من يتذكر شيئاً كهذا فليخبرنا به.
على العكس، فإن جميعنا يعلم أن "أتاتورك" كان يتبنى فكراً مخالفاً للدين، حتى إنه في آخر سنوات حياته رفض أن يستخدم اسم "مصطفى"، وغير اسمه من الكلمة العربية "كمال" التي تنطق بالتركية "كِمال" إلى الكلمة التركية "كَمال-kamal" التي تعني البرج أو القلعة. فمن الغريب أن يطلب هذا النائب أمراً لم يطلبه "أتاتورك" في حياته!
إلى جانب أنه في دعاء الخطبة يتم الترحم على أرواح المحاربين والشهداء جميعاً، وبما أن "أتاتورك" من ضمن المحاربين فإن الدعاء يشمله. فإن ذكر اسم "أتاتورك" في الخطبة فسيكون هذا استثماراً أولاً، وظلماً لباقي المحاربين ثانياً. فـ"كمال أتاتورك" لم يكن في حرب "جناق قلعة" سوى ضابط من ضمن مئات الضباط، فإن كان لا بد من ذكر أسماء الضباط الذين حاربوا في حرب "جناق قلعة" فـ"كمال أتاتورك" سيكون من أواخرهم، وإن ذكرت جميع الأسماء فهذا لن يليق بخطبة الجمعة لكثرة الأسماء، إذ إن الرسول أمر بقصر الخطبة، وإطالة الصلاة، بالإضافة إلى أن ذكر أي اسم سوى اسم الرسول لا يعتبر شرطاً لصحة الخطبة.
نحن مدينون بالشكر لهذا النائب؛ حيث إن حرب "جناق قلعة" كانت منسية في عهد سلطة "حزب الشعب الجمهوري"؛ لأنهم يعتبرونها نصراً عثمانياً، وقد بقيت قبور شهداء هذه الحرب بلا عناية واهتمام حتى عام 1950.
بدأ الاهتمام بحرب "جناق قلعة" وشهدائها مع وصول الحزب الديمقراطي إلى السلطة، فيسعدنا أن "حزب الشعب الجمهوري" بدأ بتذكر هذه الحرب، حتى وإن كان بسبب "أتاتورك". ومن هذا المنطلق علينا أن نشكر هذا النائب، الذي طرح القضية على البرلمان، وننصحه بتقوية معلوماته الناقصة!
ولدينا نصيحة أخرى له: لكي يكون أكثر إقناعاً ينبغي له على الأقل أن يحضر إحدى خطب الجمعة، وينصت لها بنفسه! فقط لكي لا تحرجه أسئلته!
(خاص لـ "عربي21"- ترجمة وتحرير: تركيا بوست)