حوار غير متوقع بين مقاتلي عدة فصائل جمعهم المشفى بسوريا

كان الهدوء ليلاً يعمّ أرجاء دار الاستشفاء في إحدى القرى على الحدود السورية التركية، وكان كاتب هذا التقرير مستلقيا على السرير بسبب الإصابة ولظروف العلاج.

يتمدد المصابون على الأسرّة، فمنهم النائم، ومنهم المنهك بسبب طبيعة العلاج، وفجأة يخترق الهدوء صوتان خافتان وتمتمة، نستدير لنرى من يتكلم، وإذا بعنصرين مصريين تابعين لجبهة النصرة يجلسان بجانب المدفأة، يتولى أحدهما وضع الحطب لزيادة اشتعالها، ولتدفئة مكان إصابته في عظم القدم، بينما زميله "أبو إسحاق" المصاب أيضاً بكسر يقول له باللهجة المصرية: "يا شيخ أنا لا أرى تنظيم الدولة إلا فئة باغية على المسلمين، بغت وتجبّرت وتكبّرت على المجاهدين من كل الفصائل، فكيف لي أن أحبها؟".

يغلق "أبو دجانة المصري" المدفأة ويجيبه بصوت خافت وأسلوب منمق: "يا أخي أنا قلبي يتقطع عندما أرى المسلمين يقتتلون، ولا أريد للإخوة في جبهة النصرة أن يقاتلوا إخوانهم المجاهدين من الدولة الإسلامية".

يتابع أبو دجانة متحدثاً بهدوء: "الدولة الإسلامية تقاتلها أمريكا، وأعداء الإسلام، فكيف لي أن أعاديها؟ فهؤلاء إخواننا في الجهاد، ومسلمون، وهم يضحون بدمائهم لرفع راية هذا الدين".

يضع أبو إسحاق يده على مكان الكسر، ويدلِّكه فترتسم على وجهه تعاليم الألم، ثم يرد بالقول: "إنت بتقول التنظيم إخوانك؟ والله لو يعلموا أنك من جبهة النصرة لأباحوا دمك، وتلذذوا بقطع رأسك، فهم يقاتلون النصرة حتى الرمق الأخير، أما نحن فلا نقاتلهم لطيب قلوبنا".

يخترق أبو محمد الحديث فجأة.. أبو محمد وهو شاب ينتمي لحركة أحرار الشام، ومن مواليد مدينة الرقة التي يسيطر عليها تنظيم الدولة. يقول لهما ممازحاً: "ما تخلونا ننام مشان الدولة يا إخوة؟".

يحمرّ وجه أبي إسحاق، ويتلعثم أبو دجانة: "آسفين أزعجناكم". ولكن أبا محمد الرقاوي يضحك وينضم إلى مجلسهم، ثم ينضم شاب آخر من تنظيم الجبهة الشامية إليهم، وجميعهم من المصابين، ليبدو أن الفصائل المقاتلة تتحاور فيما بينها.

يقول أبو محمد الرقاوي، وهو شاب ملتحٍ، ضخم القامة: "كانت خطبتي مقررة، وقبل الموعد بيوم اشتبكنا مع تنظيم الدولة في الرقة، وأراد التنظيم السيطرة على الرقة، مع أننا نحن من حررناها، ونحن من طردنا النظام منها".

ويستدير أبو محمد إلى أبي دجانة ويقول له: "بكل صراحة أنا اعتبر هذا التنظيم من الخوارج، فقد شردني من مدينتي ومنزلي، وحرموني من مشاهدة أهلي. فما هو ذنبي؟ فقط لأنني من حركة أحرار الشام الإسلامية!".

يعود الصمت إلى أرجاء الدار ويحمرّ وجه أبي دجانة ويعدل جلسته على الكرسي، ويقول: "بالنسبة لي أنا هاجرت من مصر، وتركت السيسي ومرسي يتصارعان من أجل سلطة فانية، ولم آتِ إلى سوريا لأحضر عراك تنظيمات جهادية من أجل التمدد والنفوذ". ويتابع أبو دجانة: "لكن أنا أعترف، ومثلي كثير من المهاجرين، أن الدولة الإسلامية حلم لكل مهاجر، ونحن خرجنا من أجل هذا الهدف. وبالنسبة لي فأنا قررت الرحيل إلى الدولة الإسلامية، لو تركت إخواني في جبهة النصرة، وأنا أتمنى أن ينتهي هذا الخلاف لنصبح يداً واحدة".

يقاطعه الآخرون بصوت مرتفع: "لا.. لا.. نحن لا نوافقك القرار، وهذا ليس بقرار صائب، فقد تصبح يوماً على جبهات تقاتلنا بها، وقد نلتقي معك في إحدى المعارك فلا تفعل، فهذا شق للصف".

وفجأة يدخل أحد مسؤولي دار الاستشفاء، ويطلب من الجميع الذهاب للأسرّة من أجل راحتهم وراحة المرضى الآخرين. فيذهب الجميع ويبقى صوت المدفأة ولهيب النار داخلها يشق الصمت. ويصرّ أبو دجانة على ذهابه وانضمامه إلى تنظيم الدولة، فهو لا يخشى شيئاً، فالطريق إلى التنظيم بالنسبة لأمثال أبي دجانة مفتوح ولا يمنعه أحد، فهو يراه انتقالاً من فصيل لآخر.. وحاله كحال الكثير من العناصر الأجنبية في جبهة النصرة.