نشرت صحيفة سلايت الفرنسية تقريرا حول العوامل التي تسبب حالة الخوف المرضي من ركوب
الطائرات والحجج التي تثبت عدم منطقية هذا الخوف، حيث أن حادثة تحطم طائرة الرحلة "4U9525" التابعة للخطوط الألمانية (Germanwings) فوق مرتفعات الألب الفرنسية أعادت إلى السطح الجدال الأزلي حول مخاطر ركوب الطائرة.
وتظهر أعراض هذه الحالة عند اقتراب المصاب بفوبيا
الطيران من صعود الطائرة، حيث تظهر عليه علامات غير مألوفة، مثل زيادة معدل ضربات القلب وكثرة التعرق أو التقيؤ، بسبب عدم الشعور بالأمان، كما تسيطر عليه أفكار سلبية متعلقة بالحوادث والحرائق وانعدام الأكسجين في الطائرة، وهذا يدفعه إلى تجنب المواقف التي قد تستوجب السفر بالطائرة.
ويقول التقرير إن المصابين بهذه
الفوبيا يشعرون دائما بأن خوفهم أمر منطقي وقائم على أسباب علمية، رغم أن
الحوادث قليلة والإحصائيات تشير إلى أن ركوب السيارة من المنزل نحو المطار أخطر بكثير من ركوب الطائرة.
وأضافت الصحيفة أن الإحصاء يتم عبر احتساب العدد الإجمالي للمسافرين الذين يموتون أثناء الرحلة حسب كل وسيلة من وسائل النقل وعدد الكيلومترات المقطوعة. وقد بينت إحصائيات نشرها المجلس الأوروبي لسلامة النقل قبل عشر سنوات أنه على مئة مليون مسافر تبلغ نسبة الوفيات في الطائرة 0.035 وفي السيارة 0.7، وهو ما يعني ببساطة أن السيارة أخطر بعشرين مرة من الطائرة.
ولكن تقول الصحيفة إن المهم ليس عدد الحوادث بكل نوع من وسائل النقل أو عدد الكيلومترات المقطوعة أو الساعات التي تستغرقها الرحلة، بل المهم هو عدد الوفيات بالنسبة لعدد المرات التي نستقل فيها الطائرة، إضافة إلى أن حوادث الطيران تقع عادة خلال المناورات الحساسة، مثل الإقلاع أو الهبوط وهو أمر يعلمه جيدا المصابون بالفوبيا، بينما في السيارة تكون الحوادث مرتبطة بسلوك السائق وخاصة بزيادة السرعة على الطريق.
وفي هذا السياق، نشرت الصحيفة إحصائيات التقرير العالمي حول الطيران والتقرير الأمريكي حول السلامة المرورية، فيما يخص عدد الحوادث نسبة لعدد المرات التي نستعمل فيها إحدى وسائل النقل، وهي تشير إلى أن خطر التعرض لحادث في الطائرة يعادل ثمانية عشرة مرة مقارنة بالسيارة، إذ أنه على الرغم من أن عدد الحوادث بالسيارة أكبر بكثير من حوادث الطائرات، فإننا إذا أخذنا بعين الاعتبار عدد المرات التي نسافر فيها عبر الطريق مقارنة بعدد مرات سفرنا عبر الجو، فإننا سنجد أن الطائرة أخطر بكثير، وهو أمر تدعو الصحيفة لأخذه بعين الاعتبار لتفهّم حالة رهاب الطيران التي يعاني منها البعض.
وأشارت الصحيفة إلى وجود دورات تدريبية لتبديد الخوف من ركوب الطائرة، على غرار ما تقدمه شركة الطيران الفرنسية (Air France) التي تفتح أبواب مركز تدريب الطيارين لعموم الناس، ليعيشوا تجربة الحديث مع طبيب نفسي ومختص في الضغط العصبي الناجم عن الطيران، وتلقي دروس نظرية في الملاحة الجوية، ودروس حول التفاعلات الجسدية والنفسية وتمارين التنفس والاسترخاء، ثم الدخول لجهاز محاكاة مقصورة الطيار في طائرة "إيرباص320"، حيث يعيش المصابون برهاب الطائرة كافة الوضعيات، مثل المرور بالمطبات الهوائية وعمليات الطوارئ، على أمل أن يقتنعوا بأن إجراءات السلامة لا تترك شيئا للصدفة.
وتندرج هذه التمارين ضمن استراتيجية العلاج السلوكي القائمة على مبدأ مواجهة مصدر الخوف، ومحاكاة أسوأ السيناريوهات التي ينسجها خيال الشخص المصاب بالرهاب، والتعرف على مصادر الأمان التي تجعل الشخص يشعر بأن شركة الطيران مستعدة لأسوأ الاحتمالات التي قد تدور في ذهنه.
ويفضل أغلب الأطباء هذا العلاج السلوكي لمعالجة كافة أمراض الرهاب بصفة عامة، لأنها تعطي نتائج ممتازة وأكيدة على المدى البعيد، ولأنها على عكس العلاج الدوائي تقلل من استخدام الأدوية.
كما لاحظت الصحيفة أن المصابين بفوبيا ركوب الطائرات يشاهدون كثيرا الأفلام الوثائقية حول
كوارث النقل الجوي رغم خوفهم الشديد، وهو أمر فسرته بأنهم يجدون متعة غير مفهومة في مشاهدة هذه الحوادث، وخاصة الافلام التي تعيد تجسيد أكبر الحوادث عبر التاريخ وأكثرها مأساوية، بالإضافة إلى المسلسلات التلفزيونية التي تحمل أسماء مخيفة، مثل السلسلة التي تبثها القنوات الفرنسية "خطر في الجو"، حيث يتميز عنوان كل حلقة من حلقاتها بالرعب والتشويق، مثل "عطل في المحرك" و"اختفاء غامض" و"مأساة في القطب الشمالي".
وفي الختام، تقول الصحيفة إن المنطق يفرض على هؤلاء الأشخاص تجنب مشاهدة هذه البرامج، رغم ما يشعرون به من متعة أثناء جلوسهم على الأرض في كنف الدفء والهدوء ومشاهدة كوارث الطيران المدني على التلفاز.