سوق المزايدة في
مصر الانقلاب لا ينتهي، فهو أمر قائم على أشده، فمن لم يقف بجانب
السيسي فهو يكره مصر، وخائن لوطنه، ومن يعارض السيسي فهو يعارض جيش بلده، وهو خائن، ثم مؤخرا: كل من يتمنى فشل
المؤتمر الاقتصادي في مصر فهو يكره الوطن، وخائن لوطنه، إنها تهمة معلبة جاهزة لكل من يعارض أي ديكتاتور، أيام مبارك كان يتهم كل من يعارض مبارك بأنه يكره مصر، تخيلوا سبحان الله، مصر ذات السبعة آلاف سنة حضارة، بكل ما لها في قلب كل مصر من مكانة تختزل في شخص.
إنني كشيخ أزهري لا يعنيني إلا موقف الشرع، فما موقف الشرع من المساهمة في مثل هذا المؤتمر؟ بغض النظر عن المؤتمر أو اسمه، أو السيسي، الشرع يتكلم عن حالة معينة بعيدا عن اسمها، والسؤال هو: هل يجيز الشرع مساعدة حاكم بالمال أو بأي لون من الدعم، يؤدي هذا الدعم أو المساعدة إلى الظلم بالشعب، من سفك للدماء، وانتهاك للحرمات؟ هذا هو السؤال الذي بإجابته يتضح الموقف.
إن من عظمة الفقه الإسلامي أنه وضع قواعد في التعامل في الفقه السياسي الدولي، فاشترط المذهب الحنفي إذا أراد الحاكم أن يقيم عهدا بينه وبين حاكم آخر، أن يكون هذا الحاكم عادلا، لأنه لو كان ظالما فمعنى ذلك أنه يتقوى بنا كدولة مسلمة لظلم رعيته، وهو ما ناقشه الفقهاء كذلك تحت باب: هل يجوز دفع الزكاة لحاكم ظالم؟ أو فاسق؟ وهو ما يرفضه الفقهاء، لأنك إن أعطيته الزكاة لن يضعها في نصابها الصحيح، وسيتقوى بها على ظلم الرعية.
إن القرآن الكريم ذكر لنا دعاء نبي الله موسى على فرعون حاكم مصر الظالم، وموسى بالمناسبة مواطن مصري قبل أن يكون نبيا، فقال تعالى على لسان موسى عليه السلام: (وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) يونس: 88، إن نبي الله موسى المصري دعا على فرعون وملأه، لأنهم يستخدمون المال في الظلم والطغيان، فدعا عليهم أن تطمس هذه الأموال، ولقد كان فرعون رجلا عاقلا فلم يأمر بسحب الجنسية المصرية من موسى عليه السلام، رغم أنه أكبر معارض له، وكان يتمنى فشله اقتصاديا!
أما خير الرسل جميعا محمد صلى الله عليه وسلم فقد دعا على الظالمين من قومه، عندما وجدهم يتجبرون، ويستعلون ويظلمون بما آتاهم الله من نعمة ومال، وصادروا ممتلكاته في مكة، فقال صلى الله عليه وسلم داعيا عليهم: "اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف" وقد كان الراحل أبو جهل رجلا عاقلا فلم يتهم محمدا صلى الله عليه وسلم بالخيانة لوطنه مكة، لأنه دعا عليه وعليهم بأن يبتليهم الله بالجوع جراء ظلمهم، ولم يصدر أبو جهل قرارا بسحب الجنسية القرشية منه!!
لا أدري على أي ملة يتعامل الانقلاب ودعاته مع معارضيه، فتارة يتاجرون بالدين فينعتون معارضيهم بكل نقيصة دينية، وتارة يتاجرون بالوطن، فيتهمون من يعارضهم بالخيانة، وكأن الوطن هو الذهب الذي تركته لهم أمهاتهم، فهم يوزعون منه يمينا وشمالا على من يرضون عنه.
وقد يقول قائلهم: هل لو كان المؤتمر أيام مرسي كنتم ستقولون هذا الكلام؟! سؤال وجيه، والرد عليه ميسور، وأستعير الرد هنا من صديق إذ يقول: هناك فرق يا سيدي بين أن تدخل عليك ابنتك بعد زواجها الشرعي بشهر، لتخبرك بأنها حامل، عندها تأمر امرأتك بأن تزغرد، وتفرح، وتظل تطلب من ابنتك أن تسير بهدوء، وتحافظ على صحتها، أما لو أن شابا ابن حرام (صايع) غرر بابنتك فزنى بها، ثم بعد ذلك اكتشفت أنها حامل من الحرام، يقينا ستتمنى إسقاط هذا الجنين، لأنه عار سيظل يلاحقك وابنتك. هذا هو الفرق لمن يفهم!!
[email protected]