يطرح سورين سيلو في تقرير في صحيفة لوموند الفرنسية معضلة ارتفاع نسبة التحاق الفرنسيين بالجماعات المتطرفة.
وكانت وزارة الداخلية الفرنسية قد بادرت عام 2014 بإطلاق خطة وطنية لمقاومة
التطرف، بهدف الحد من تزايد المغادرين إلى الأراضي السورية، حيث يعتمد الجهاز الأمني المختص بهذا الشأن على مركز اتصالات وفروع في مختلف الأقاليم، مما يسمح للدولة باقتفاء أثر الحالات التي نجحت في اجتياز الاستخبارات.
وينوه التقرير إلى نجاح المعلومات التي تم الحصول عليها في تغيير نظرة السلطات الفرنسية للإرهاب، الذي يعرفه الوزير في دليل توجيه يخص موظفي الدولة، بأنه"كل خطاب يوظف التعاليم الدينية وينسبها للإسلام بهدف دفع شاب للنأي بنفسه ورفض الآخر".
وتشير آخر الإحصائيات الرسمية التي تمكنت الصحيفة من الحصول عليها، إلى إبلاغ الأهالي والخدمات العامة عما يقارب 3142 شخصاً في الأشهر الأحد عشر الماضية، غادر 9 في المئة منهم إلى سوريا. ورُبع هؤلاء قاصرون، و35 في المئة هن من النسوة، في حين بلغت نسبة المعتنقين للإسلام 40 في المئة، وترتفع النسبة في هاتين المجموعتين لدى فئة الشباب. كما مكن تنوع البيانات الشخصية وخصوصيات المعنيين الحكومةَ من تشكيل تشخيصها الذي انتهى إلى اكتشاف سمة بارزة تجمعهم، بصرف النظر عن أصولهم الثقافية والاجتماعية، وهي العزلة والقطيعة مع المحيط الخارجي، مما يحيل على ضرورة توفير عناية نفسية واجتماعية وإحاطة على المستوى الديني، وهو ليس بالأمر الهين في دولة علمانية.
من جهته، ينفي بيار نغاهان علاقة ظاهرة للتطرف بأية ديانة، مؤكداً أنها لا ترتبط باعتناق الإسلام أو الانتماء إليه، إذ إنها نتاج أزمات نفسية وتقلبات ذاتية تجعل من المرء قابلاً للتعصب والتصلب، كما تدفع لديه الحاجة للانتماء إلى طائفة ما، أو حيازة السلاح والسعي وراء الموت، وهذا ما توفره التنظيمات المتطرفة.
وقد مكّن هذا التحليل الذي يبرز حالة الضعف التي تتسم بها هذه الفئة من التوصل إلى فهم سبب ارتفاع نسبة المراهقين، وهو أمر أشار إليه سارجا هافز، الطبيب النفسي الذي قام بمتابعة العشرات من عائلاتهم. ويقول: "الخطاب المتطرف يميز الغث من السمين، والخبيث من الطيب، خاصة في الأزمات التي تشوب المراهقة، حيث يوفر التأويل الراديكالي للإسلام شماعة هوية".
ويشير سورين سيلو إلى انتماء جل هؤلاء الشباب إلى أحياء يتسم الوضع فيها بالحرج والدقة، مما يفسر شعور الاغتراب الذي يدفعهم للبحث عن غطاء انتمائي يمكنهم من المجاهرة بهوية معينة، الأمر الذي توفره الجماعات المتطرفة، ويتجلى التعبير عن الهوية، حسب بيار نغاهان، في الهيئة الخارجية والنمط الملبسي.
من جهته، يستغل
تنظيم الدولة كل تلك العوامل النفسية ليقدم لهذه الفئة أرضاً بديلة، تمكنهم من البروز وإنشاء مجتمع يخصهم.
من هنا تنطلق رحلة هؤلاء الشباب إلى الشام، إقليم يشمل سوريا وبضع دول مجاورة، فاسحة المجال لطريقة نرجسية في إعادة الاعتبار لذواتهم، يدعي مجندو تنظيم الدولة اتباعها لخطى النبي محمد اعتماداً على قراءةٍ لهم للقرآن، تعد هذا الفعل هجرة مقدسة تؤذن بنصر مبين تشوبه تعثرات عابرة.
هذا ويحيل التقرير إلى انقسام المختصين بين مؤيد ورافض لهذه المقاربة النفسية، حيث يعتبر بيار كونيسا، المسؤول السابق في وزارة الدفاع الفرنسية في تقرير قُدِّمَ لمؤسسة دعم ضحايا
الإرهاب، أن البعد الجيوسياسي للدعاية المتطرفة تتغذى أساساً من الأخطاء الدبلوماسية للغرب في سوريا والشرق الأوسط، كما يدعو إلى دراسة الخطاب السلفي وتفكيكه.
وتتحدث الصحيفة عن انتشار هذا الخطاب في
فرنسا، واعتماده على قراءة حرفية راديكالية للنصوص الدينية تضفي مشروعية للعنف.
وينوه التقرير إلى تصريح بيار نغاهان بالخطر الذي يمثله صعود السلفية الجهادية، ومناقشته للمبادئ اللائكية على حد سواء، إذ ينفي المسؤول عن الهيئة الوقائية للجهاز الأمني الفرنسي الخاص بالخطة الوطنية لمقاومة التطرف؛ تمحور مهمته حول "تمييز المسلم الجيد من ذاك السيئ" مؤكداً اقتصار هدف الجهاز على مقاومة كل أشكال التطرف والراديكالية، التي تتهدد الفرد والمجتمع في إطار مقاومة هذه الظواهر.
من جهته، يبدو المسؤول الذي يترأس أيضاً لجنة وزارية للحد من الانحراف، على أتم الوعي بعمق الإشكال الذي تحيل عليه موجة المغادرة إلى سوريا.
كما يورد سورين سيلو تصريح المسؤول حول هذه القضية: "هؤلاء الشباب ليسوا منقطعين عن الواقع، هم يتعرضون لمشكلات ثقافية ودينية وأخرى تتعلق بالهوية والمجتمع. ليس التطرف سوى ظاهرة عارضة ساهمت المسائل المجتمعية في تضخيمها، وأهمها مكانة الإسلام ومكانه في المجتمع، والقضايا الثقافية المتعلقة بالمعايير الاجتماعية، ومشكلة استبعاد بعض الفئات. لقد وجدت هذه العوامل الرئيسية الثلاثة قبل بروز التطرف في سوريا وستستمر بعد انقضائه".
وأخيراً يطرح التقرير إشكالية أخرى تتعلق بكيفية استقبال الفرنسيين العائدين من سوريا، حيث لم يتم إلى الآن إنشاء مراكز تعنى بإعادة تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع، وهو مشروع مستقبلي لا تزال الحكومة الفرنسية تبحث سبل تحقيقه جهوياً أو وطنياً.
يذكر أنه من أصل 200 من هؤلاء العائدين، خضع 110 للمحاكمة، وتم سجن معظمهم.