قررت الحكومة السورية أخيرا الحد من الاستيراد وتشجيع الصادرات لكبح النقص المتزايد في القطع الأجنبي في بلد يرزح الاقتصاد فيه تحت وطأة الحرب والعقوبات الغربية.
ويقول أحد التجار المستوردين للمواد الاستهلاكية: "تلقيت منذ نحو شهر رسالة هاتفية قصيرة من وزارة المالية تخبرني بأنه لم يعد بإمكاني الاستفادة من سعر الصرف التشجيعي الذي حدده المصرف المركزي لشراء الدولار الأميركي لتمويل مستورداتي بسبب نقص في القطع الأجنبي".
ونقل الإعلام الرسمي الأربعاء عن حاكم مصرف
سوريا المركزي أديب ميالة إعلانه عن بدء المصرف المركزي بتمويل المستوردات ومستلزمات الإنتاج بحدود ثمانية إلى عشرة ملايين دولار يوميا عن طريق المصارف، بهدف "ضبط التذبذبات الحاصلة في سعر الصرف".
ويتوجب على كل مستورد في سوريا الحصول على إجازة مؤقتة للاستيراد من وزارة الاقتصاد، وعند حصوله على الإجازة يمكنه التقدم إلى المصرف المركزي لطلب الحصول على القطع الأجنبي بسعر تشجيعي، وفي حال رفض المركزي تزويده بالقطع، عليه أن يمول مستورداته بوسائله الخاصة عبر شراء القطع الأجنبي من السوق السوداء أو من الخارج.
ونقلت صحيفة الوطن عن مصدر في وزارة الاقتصاد أن ثلثي إجازات الاستيراد الممنوحة خلال الربع الأخير من عام 2014 منحت لاستيراد المواد الأساسية اللازمة للصناعة، وخصوصا المشتقات النفطية، والمنتجات الزراعية كالسكر والرز والطحين والأدوية.
وارتفعت قيمة طلبات الترخيص إلى 2,7 مليار دولار، وتمت الموافقة على ما يعادل 1,2 مليار دولار منها، في حين زود المصرف المركزي 13 في المئة منها بالقطع الأجنبي.
وبلغت أضرار النزاع السوري المستمر منذ أربعة أعوام أكثر من 202 مليار دولار، بحسب تقرير أصدره المركز السوري لبحوث السياسات، وهو مركز غير حكومي تستند إليه الأمم المتحدة في إصدار تقاريرها.
ويقول خازن اتحاد المصدرين السوري إياد محمد أن حجم القطع الأجنبي في المصرف المركزي "سر محفوظ، لكن الحقيقة التي يعرفها الجميع هي أن
الليرة السورية فقدت ثمانين في المئة من قيمتها خلال الأعوام الأربعة الماضية".
ويشير رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية فارس الشهابي إلى أنه لكبح هذا الانهيار "صدر قرار بزيادة الصادرات وترشيد الاستيراد"، موضحا: "لن نستورد ما يمكن صناعته محليا" ومضيفا: "بإمكاننا تزويد السوق المحلية بكثير من المنتجات".
ويتسم تصريح الشهابي بالتفاؤل. لكن الإنتاج الصناعي الذي شهد قفزة بنحو 16 في المئة خلال عام 2014، تعرض لانخفاض كبير، ولم يعد يمثل إلا ربع قيمته في عام 2010، وفق تقرير المركز السوري لبحوث السياسات.
كما تقلص إنتاج الزراعة القطاع الرئيسي الآخر في
الاقتصاد السوري إلى نحو 31,9 في المئة عام 2013، مقارنة مع عام 2012.
ويؤكد أمين سر اتحاد المصدرين السوري مازن حمور أنه "عندما تكون لدينا صناعة قوية ستمكن من إنتاج سلعة جيدة يمكن تصديرها، وبالتالي سيتوفر القطع الأجنبي في سوريا".
ويضيف: "لسنا اليوم بحاجة إلى استيراد الكماليات التي لا حاجة لها كالمانغا والأناناس أو الأجبان الفرنسية، بل نحتاج إلى استيراد المواد الأولية الضرورية للصناعة السورية".
وتعاني الصادرات السورية من العقوبات التي فرضها الغرب على التعاملات المالية والبترول والغاز وقطاع النقل، احتجاجا على قمع السلطات للاحتجاجات التي اندلعت بشكل سلمي قبل أن تتحول إلى نزاع دام أسفر عن مقتل أكثر من 215 ألف شخص وتهجير الملايين من السوريين.
وبلغت الصادرات السورية 1،8 مليار دولار في عام 2104، مقابل 11،3 مليار دولار في عام 2010، بحسب صحيفة الوطن المقربة من السلطات، فيما انخفضت نسبة الصادرات بالنسبة للواردات من 82،7 في المئة في عام 2010 إلى 29،7 في المئة في عام 2014.
وتقتصر صادرات سوريا في الوقت الراهن على المنتجات والصناعات الزراعية والنسيج والجلد والأدوية والرخام والزهور، بعد أن توقفت عن تصدير النفط الخام الذي كان يشكل عائدا هاما للخزينة السورية إثر سيطرة
تنظيم الدولة على حقول النفط.
ويتصدر العراق قائمة البلدان المستوردة من سوريا، يليه لبنان الذي يتم عبره تصدير السلع إلى اوروبا.
ويوضح محمد أن السلع المصدرة إلى العراق تمر عبر معبر التنف الصحراوي، فيما يتوصل "المخلص الجمركي العراقي إلى التفاهم مع تنظيم الدولة" لإدخال البضاعة إلى الداخل العراقي.
وغالبا ما يتم تصدير السلع المصدرة إلى بلدان الخليج عبر الأردن.
وعمد التجار السوريون مع استمرار الأزمة إلى تفعيل الشبكة السرية التي أنشأوها خلال حكم الرئيس حافظ الأسد، ولكن بالاتجاه المعاكس، إذ كانوا يعملون حينها على إدخال المنتجات الأجنبية بشكل سري إلى سوريا.