نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا لحسين إيبيش، حول الانقسام الذي حصل في جماعة
الإخوان المسلمين في الأردن، قال فيه إن الانقسام الدراماتيكي الذي حصل قد يكون الأهم حديثا في تطور هذه الحركة الإسلامية، كما أنه يعد تجربة حاسمة في تطوير طريقة تعايش جديدة بين الدول العربية والمجموعات الإسلامية المعتدلة التي ستظهر خلال العملية.
ويقول الكاتب: "في الأيام الأولى المتفائلة من الربيع العربي حظيت جماعة الإخوان المسلمين، التي تمثل التيار الإسلامي الرئيس، على الاهتمام كله، وافترض الكثير، وكانوا مخطئين كما تبين لاحقا، أن أحزاب الإخوان ستنتخب في بلد تلو الآخر عندما يعطى العرب حرية التصويت".
ويضيف إيبيش أن "أحزاب الإخوان اكتسحت الانتخابات في
مصر وتونس بعلاماتهم المميزة وقوة الحضور الشعبي، وعدم تلوثهم بعلاقات مع الديكتاتوريات السابقة، ولكن تبين أن الشعب لم يعجبه مقاربتهم للحكم، وكانت الإطاحة بالرئيس الإسلامي محمد مرسي في تموز/ يوليو 2013 عن طريق تحالف قاده الجيش استجابة لتظاهرات شعبية كبيرة، إيذانا ببداية النهاية لآمال الإخوان بالسيطرة على المنطقة".
ويشير الكاتب إلى أنه "على طول وعرض الشرق الأوسط وجدت أحزاب الإخوان نفسها تواجه رفضا شعبيا وقمعا رسميا، وانهار الإخوان في البلدان العربية كلها إلى حالة من الأزمة أو التهميش السياسي. وكانت الضربة الأكبر ربما عندما قامت دول عربية رئيسة بوضع الجماعة على قائمة الإرهاب، ابتداء من مصر عام 2013 والسعودية في 2014 وتبعتها الإمارات، وفي الواقع فإن الحملة في مصر كان لها أكبر الأثر؛ لأنها ضد أكبر تنظيم، الذي عادة ما يشار إليه بأنه التنظيم الأم، وقد ترك هذا التحرك الإخوان المسلمين في حالة سيئة في كل مكان".
ويوضح إيبيش أن "الاهتمام انتقل إلى المجموعات المتطرفة مثل تنظيم الدولة، الذي يزدهر في جو الحروب الأهلية والدول الفاشلة. وأحد الانتقادات الموجهة للحملة ضد الإخوان، التي قادتها مصر والدولتان الخليجيتان، هو أنها دفعت الإسلاميين نحو التطرف. ولا يوجد هناك دليل قوي على أن تقدم تنظيم الدولة كان يمكن تغييره كثيرا لو لم تكن هناك حملة ضد الإخوان المسلمين، ومع هذا، فإن هذا الانتقاد من المعلقين الغربيين والعرب يستمر بخصوص التحركات الأردنية القريبة".
ويلفت الكاتب إلى أنه "لأكثر من عام ساد توتر إقليمي داخل جماعة الإخوان المسلمين في الأردن. فجناح الفلسطينيين يميل للرجعية والاصطفاف مع حركة حماس، والإخوان في بلدان المنطقة، ولكن الجناح الأردني تقليديا أقل حدة سياسيا، ويشدد على الولاء للمملكة".
ويذكر إيبيش أنه "في 14 شباط/ فبراير قرر مجلس شورى الجماعة فصل مجموعة من الأردنيين الذين يميلون إلى الإصلاح، ومعظمهم كانوا جزءا من مبادرة أطلقوا عليها اسم (مبادرة زمزم)، التي سعت إلى الانفصال عن التنظيم في المنطقة. ولكن هذا التحرك أدى إلى نتيجة عكسية، حيث قام المفصولون بتشكيل تنظيم إخوان خاص بهم اعترفت به الحكومة الأردنية رسميا في 3 آذار/ مارس".
ويضيف الكاتب أن "وضع تنظيم الإخوان الأصلي غير واضح، وقد تكون هناك معارك قضائية وإدارية طويلة على ممتلكات التنظيم وموارده المالية، واتهم المحاربون القدامى في التنظيم الحكومة الأردنية بتدبير (الانقلاب)، ولكن الفترة الطويلة التي أخذها هذا الشرخ ليظهر في جسم الحركة، تشير إلى أن دور الحكومة كان انتهازيا في أمر لم تخطط له".
ويرى إيبيش أن "صعود تنظيم الدولة قد يساعد في تبرير المبادرة الأردنية، ففي مواجهة مخاطر التطرف الجهادي قد تكون الأردن رائدة في سياسة إعادة تأهيل تنظيمات الإخوان المسلمين. والصيغة الأردنية تظهر أن التنظيمات الإسلامية يمكن استيعابها في الأنظمة الوطنية ما دامت لا تسعى إلى تغيير النظام في بلدها، وليست جزءا من تنظيم ثوري إسلامي على مستوى المنطقة".
ويفيد الكاتب أن "عنصرا آخر لمثل هذا الاستيعاب هو حالة الانفراج بين مصر وقطر، حيث كانت الدوحة راعية لمجموعات الإخوان المسلمين في المنطقة، والقاهرة هي العدو الرئيس لها، كما أن هناك مؤشرات على تقارب سعودي قطري، فهذه البلدان كلها لديها مصلحة في استيعاب الإسلاميين المعتدلين في السياسة الوطنية ،وخاصة بعد أن عانى الإخوان من هزيمة على مستوى المنطقة، فقطر قللت من دعمها للإخوان المسلمين، بما في ذلك حركة حماس، تاركة
تركيا راعيا وحيدا للحركة".
ويقول إيبيش: "قد برهنت منذ أمد بعيد على أن القومية هي مقتل أكثر الحركات الإسلامية العربية اعتدالا، فالفهم المتداول هو أنه باتباع أجندة إقليمية ودينية في الوقت ذاته فإن أي جماعة مثل الإخوان هي على أفضل تقدير ليست وطنية بما يكفي، وعلى أسوأ تقدير هي خائنة، ليس غريبا إذن أن يكون الحزبان الأقل تضررا بعد الإطاحة بمرسي هما حزب
النهضة في تونس وحزب العدالة والتنمية في المغرب".
ويذهب الكاتب إلى أن كلا الحزبين يصر على أنه ليس جزءا من تحالف إقليمي، أو أنهما منتميان لحركة الإخوان المسلمين. وهذا يعني أيضا أنهما موافقان على العمل في الحدود المتعارف عليه دستوريا في أنظمتهما السياسية، وقد خدمتهما هذه المقاربة بشكل جيد.
ويجد إيبيش من الواضح أن الأردن وحلفاءه مهتمون في تسويق فكرة تطوير مجموعات الإخوان المسلمين الوطنية، التي لا تسعى إلى صدام. ولكن الفكرة قد تذهب إلى أبعد من ذلك، فحزب النهضة بالذات أبدى براغماتية واستعدادا للتنازل مكنه من البقاء لاعبا مهما في الساحة الديمقراطية التونسية، رغم خسارته في الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
ويشير الكاتب إلى أن المجتمعات العربية لديها دوائر انتخابية مؤيدة للإسلاميين، ولذلك ستبقى هناك أحزاب ومنظمات إسلامية، وفي المحصلة فإنه وحتى البلدان شديدة المعارضة للإخوان المسلمين عليها أن تفكر في كيفية استيعاب هؤلاء المؤيدين.
ويخلص إيبيش إلى أن نتائج انقسام الإخوان المسلمين في الأردن ستكون لها آثار بعيدة. ويبدو من المؤكد أن أحد الفصيلين سيكسب المعركة وتتوحد الحركة، وإن كان المعتدلون هم الفائزون، فقد يشكل هذا نموذجا جديدا يضاف إلى النهضة للمجتمعات العربية، التي تسعى إلى استيعاب الدوائر الإسلامية في أنظمة سياسية مستقرة.