غالبا ما تترافق كلمة الانقلاب بالوصف عسكري، فيقال انقلاب عسكري، انقلاب على الشرعية، انقلاب من قلب النظام، أما أن يحدث داخل ثورات شعبية، وضمن معارضتها انقلابات فهذا هو العجب العجاب، وخصوصاً عندما نبحث في الملف السوري.
المعارضة السياسية التي ربما تلقت نبأ تحرير إدلب عبر وسائل الإعلام أو عبر صفحات التواصل الاجتماعي، ما إن بلغها خبر التحرير، حتى سال لعابها حول هذا النصر العظيم وكيف لها أن تستغله لما يساهم في تحقيق طموحاتها.
الغرابة بأن أغلب السياسيين لم يستطيعوا إخفاء أطماعهم بحكم المحافظة التي دفع أحرار
جيش الفتح من دمائهم الطاهرة لأجل تحريرها، ليسطروا مع الجيش الحر وجبهة
النصرة الذين حرروا
معبر نصيب الحدودي مع الأردن أكبر الانتصارات منذ بدء الثورة المسلحة.
حكومة "الائتلاف" التي أعلنت في بيان لها أنها ستسعى لأن تكون مدينة إدلب مقراً لها، ومنطلقاً لإدارة المناطق الأخرى التي تسيطر عليها المعارضة. وقالت إنها ستبدأ توجيه مديرياتها للعمل داخل مدينة إدلب، لم تلق آذاناً صاغية عند قياديي المقاومة في جيش الفتح، بل رفضت بعض الجبهات المنضوية ضمن كيان الجيش تسليم الحكومة المؤقتة، التي يترأسها طعمة تسيير الأمور الإدارية والمدنية في مدينة إدلب المحررة.
وأكدوا أن من سيحمي المدينة هم قوّة موحّدة تم تشكيلها من "جيش الفتح"، التي ستتولى الشؤون العسكرية والدوريات الأمنية لحماية السكان، وستقوم بدورها في تنظيم حياة الناس كما أنه سيتم تكليف لجنة قضائية مشتركة لتشكيل محكمة في المدينة، كما جاء عن أحد قيادييها - نذكر: أن جيش الفتح يتكون من أحرار الشام وصقور الشام بالإضافة إلى جند الأقصى وجبهة النصرة وفيلق الشام وأجناد الشام ولواء الحق وجيش السنة - مع ذلك وبعد وساطة من داخل الفصائل المشاركة في جيش الفتح، سلمت فصائل المقاومة الحكومة المؤقتة مبنى ومكاتب التربية في المحافظة لإدارة العملية التعليمة في المناطق المحررة، مع قدرة فصائل المقاومة الشعبية في
سوريا والمكونة من شباب معظمهم حاصل على شهادات علمية عالية،على إدارة الإدارة التعليمية.
فما الذي نقرأه إذاً من هذا الواقع، وما هي انعكاسات هذا البعد الكبير بين الجسم السياسي والجسم العسكري للثورة؟ وألم يحن للمعارضة السياسية أن تعود إلى أحضان المقاومة الشعبية المسلحة وتكتسب الشرعية الشعبية التي من دونها لن تحصل عملياً على أي شرعية دولية؟
بداية لا بد من ملاحظة انعدام الثقة بين الجسمين السياسي والعسكري، فعلى الرغم من البيانات المكتظة بتعابير المعارضة السياسية عن الثقة بقدرات الجيش الحر على إدارة المناطق المحررة بطريقة ناجحة واحترام العهود والمواثيق الدولية، إلا أن التصريحات الفردية للسياسيين تبدو مختلفة جداً في الدعوات المتكررة للفصائل المسلحة بالانسحاب إلى أطواق المدن المحررة، لحماية المدنيين من براميل الأسد، بحجة وجود المسلحين داخل المدينة، وكأن الأسد يميز بين مدني أو عسكري أو يتجنب قصف المناطق التي تقتصر على المدنين !
ودعوات أخرى أقل ما توصف بالمقززة يدعو فيها سياسيون آخرون لتسليم المدن المحررة إلى قيادات سياسية مدنية، سواء تابعة للائتلاف أو قيادات مستقلة لا تنطوي تحت جناحه، قادرة على النهوض بمهام التحول الديمقراطية وإدارة المناطق المحررة بطرق ربما تقارب الحداثة! وحجتهم في ذلك ألا تتكرر مأساة المعارضة المسلحة في الرقة التي انتهت إلى تنظيم الدولة؟ وإذا ما لم يستجب لهم العقلاء من قادة المقاومة العسكرية، انقلبوا عليهم بحرب إعلامية شعواء للنيل من شعبيتهم وقطع الباب أمام أي مفاوضات دولية قد تفرضها انتصاراتهم وتحكمهم بمعابر حدودية مهمة على الأراضي السورية.
أما السبب؛ فلأنهم يدركون تماماً أن المجتمع الدولي لا يفاوض إلا الأقوى، وبذلك تسحب هذه الانتصارات أي أمل لهم بالتسلق على حساب دماء السوريين، وأعراضهم ؛ لذا تجدهم يروجون في لؤم أن إدلب اليوم عاصمة القاعدة، والرقة عاصمة تنظيم الدولة، وأما دمشق فربما برأيهم عاصمة الأنبياء.
إن أول الأخطاء التي ارتكبت بحق الثورة والثوار، أن تحول دور السياسيين في الخارج من ذراع سياسي للمقاومة الشعبية في الداخل، إلى جسد مستقل وشاذ يسعى إلى أن يكون ثوار الداخل تحت قبضته، ليؤدي دور سيد الموقف.
سيد الموقف وصاحب القرار هو من يحقق الانتصار على الأرض، هم ثوار الداخل، وهم أصحاب الأرض، ولكي يحقق السياسيون السوريون، احتراماً شعبياً ودولياً، وليفعلوا دورهم الذي جمده صقيع العلاقات بينهم وبين الداخل، لا بد لهم من العدول عن انقلابهم على الثورة والعودة إلى ممارسة دورهم الطبيعي، قبل أن يتأخر الوقت ويُلفظوا مع آخر شبيح أسدي وإيراني تعدى على أرض سوريا.