تسابقت الفضائيات الخاصة المحسوبة على النظام في الآونة الأخيرة؛ في الاستغناء عن كثير من الكوادر
الإعلامية العاملة لديها، في الوقت الذي قلصت فيه فترات البث المباشر للبرامج السياسية والإخبارية، في مقابل زيادة جرعة البرامج الفنية والترفيهية، وإعادة حضور الفنانين والمطربين على شاشاتها بشكل لافت.
التغييرات المفاجئة في سياسة هذه الفضائيات؛ أثار تساؤلات العديد من المراقبين حول الهدف من ورائها، وما إذا كان للنظام السياسي القائم علاقة بها، وما مدى صدقية ادعاء إداراتها بأن "عجز الميزانية" هو الدافع الأساس لاتخاذ هذه الإجراءات.
مصالح رأسمالية
يقول وكيل كلية الإعلام بجامعة القاهرة بركات عبدالعزيز، إن "سياسة الإعلام تتغير وفق أهداف سياسة رأس المال، التي تحركها المصالح الشخصية، ونفاق النظام الرسمي".
وأضاف لـ"عربي21" أن المهاترات على شاشات الإعلام أصبحت تشكل المجرى العام للقنوات الخاصة، مشيرًا إلى أن ذلك "يتناقض مع المسؤولية الاجتماعية، والضمير المهني".
وطالب بضرورة "أن يلتزم الإعلام بالرؤية التوفيقية بين المسؤولية الأخلاقية والكسب المالي، وعدم الانجرار وراء الجشع، والاستخفاف بعقول الآخرين"، منتقدًا في الوقت ذاته ما وصفه بـ"غياب الوعي لدى غالبية المشاهدين".
وحمّل عبدالعزيز الإعلاميين المفصولين مسؤولية "التقصير في تكوين رابطة إعلامية قوية تتحدث باسمهم"، قائلاً: "لا بد من وجود رابطة تواجه جشع أصحاب رؤوس المال، التي تتصرف دون وازع من قانون أو ضمير".
الوجوه الفنية أكثر تكلفة
من جهته؛ قال منسق حركة "صحفيون ضد الانقلاب" أحمد عبدالعزيز، إن "النظام الرسمي يفتقر لاستراتيجية إعلامية واضحة"، مبينًا أن "خطاب عبدالفتاح
السيسي الإعلامي لم يتبلور، وما زال متخبطًا وتائهًا".
وأضاف لـ"عربي21" أن "حالة الإعلام
المصري تعد انعكاسًا للواقع الفوضوي الذي تعيشه البلاد في كل شيء"، ذاهبًا إلى أن "الاستغناء عن الإعلاميين بجميع فئاتهم؛ يؤشر إلى عدم وجود جدية تؤسس لإعلام حر وصادق".
وتابع بأن "الإعلام استخدم سياسيًا لهدفين؛ إسقاط نظام مرسي، وتعظيم انقلاب يوليو وتمجيده. وفي سبيل ذلك تم توظيف كافة القنوات طواعية أو كراهية".
واستبعد عبدالعزيز ما تسوّقه إدارات تلك القنوات من وجود عجز في ميزانياتها لتسويغ مسلسل تسريح العاملين لديها، وقال: "الدليل على بطلان هذه الحجة؛ استعانة هذه الفضائيات بوجوه جديدة من الفنانين والمطربين القدامى، وهم أكثر تكلفة كما هو معلوم".
إخفاء عيوب النظام
بدورها؛ قالت أستاذة علم الاجتماع عزة كُريم، إن الإعلام الرسمي والخاص عليه علامات استفهام كبيرة، وخصوصًا أنه قد غدا موضع انتقاد كثير من المراقبين.
وأضافت لـ"عربي21": "توجه هذه الفضائيات للبرامج المفرغة من المحتوى؛ لا يتناسب مع الوضع السياسي في البلاد، ويهدف إلى تشجيع النظام على سياساته، ويحول دون كشف عيوبه ومشاكله".
واتهمت الإعلام بـ"إخفاء ما هو مطلوبٌ إظهاره من المشاكل والأزمات التي تعيشها البلاد"، مشيرة إلى أن "إظهار هذه الأزمات يعني بالضرورة أن النظام مقصر في أدائه، وأن من يقوم بالحكم لا يستطيع معالجة السلبيات".
وتابعت كريم: "هناك اتجاه لتغييب الناس؛ من خلال تقديم برامج رقص وغناء، مقابل إلغاء البرامج التي تعنى بهموم المواطن".
خطأ تاريخي
أما أستاذ العلوم السياسية وعضو الجمعية الوطنية للتغيير، أحمد دراج؛ فقد رأى أن "محاولة تفريغ المجتمع من مشاكله وهمومه؛ تتناقض مع مهام الإعلام الأساسية".
وقال لـ"عربي21" إن الكثير من المراقبين باتوا يدركون أن مسألة الاهتمام بالشأن السياسي في الإعلام أمر غير مطلوب رسميًا، مشيرا إلى وجود رغبة في الوقت ذاته "لدى مالكي القنوات بالتغاضي عن المشاكل اليومية، وعدم عرضها على الجمهور".
وأضاف أن محاولة اختلاق سحابة من الدخان لتغييب الحقائق والمشاكل اليومية "خطأ تاريخي لا يتعلم منه أحد"، مبينًا أن "إعادة الإعلام لدفته إلى ما قبل 25 يناير، وتصوُّر أن تجاهل الحقائق سيغيب الجماهير عنها؛ يعيدنا لنقطة إعلام مبارك".
وقال إن "ما يتم عرضه على شاشات الإعلام الخاص من برامج مليئة بالإسفاف بهدف إلهاء الناس؛ يؤكد وجود حالة من الانفصام المرضي بين واقع المجتمع، وبين الإعلام".
من جانبه؛ قال عضو الهيئة العليا للتيار المصري محمد القصاص، إن إغلاق المساحات السياسية الإعلامية التي تتعرض لأوضاع البلاد باتت من الأمور الملحة لدى النظام، الذي يسعى من خلال ذلك وغيره إلى تثبيت أركانه.
وأضاف لـ"عربي 21": "استغنى النظام إعلاميًا عن السياسيين الموالين له، على حساب من يسمون بالخبراء الاستراتيجيين والأمنيين، الذين ظهروا في أعقاب ثورة يناير لتخويف الناس من استمرار زخم
الثورة".
وحول ادعاء القنوات الخاصة وجود عجز في ميزانياتها، دفعها إلى تسريح عدد كبير من الإعلاميين؛ قال القصاص إن ذلك "مجافٍ للحقيقة"، موضحًا أن "ميزانية القناة الفضائية لا تعني شيئًا لرجال الأعمال، الذين يستغلون تلك القنوات في التقرب للنظام، والحصول على مزايا".