على هامش معرض
الكتاب الذي تنظمه المدى في أربيل، اتنقل بين حوارات الأصدقاء والضيوف والمتبضعين، وهم قادمون من داخل البلاد وخارجها، زائرون من البصرة، ونازحون من الموصل وتكريت التجأوا لأربيل، وموظفون حكوميون ومعارضون ومقاتلون سابقون، والجميع يتحدث عن المعارك الأخيرة التي كشفت وجود إرادة طيّبة، يمكن تنظيمها لاستعادة هيبة الدولة والمجتمع المحلي، أمام
داعش.
وكشفت أيضاً نقاط ضعفنا سواء تعلق الأمر بالمواطنين والمحاربين، أو الطبقة السياسية.
الكثير من أهل تكريت كانوا يتحدثون عن آلاف المتطوعين من أبناء المدينة، لم يسمح لهم بالمشاركة في تحريرها، والسبب نقص الثقة بين الفصائل، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى. والكثير من العراقيين بالطبع قلقون من أخبار حول نهب وسرقات تجري في تكريت، وتفسد شيئاً من نشوة النصر.
وهذا قلق يشبه مخاوف الحكومة التي أصدرت تعليمات واضحة، ومخاوف المرجعية العليا، ومخاوف مقتدى الصدر الذي تحدث بوضوح عن ضرورة ضبط الانتشار العسكري للحؤول دون حصول هذه المشاكل.
رجل حكيم من صلاح الدين يقول لنا: كل الخسائر تعوض، لكن كيف سنقنع أهلنا بأن العناصر المسيئة لا تمثل كل قوات الحشد الشعبي؟ وكيف سنمنع تأثير هذا الشرخ على بناء الثقة ودفع التسويات السياسية؟
اما الرجل الحكيم الآخر من بابل فسأل هو الآخر: وكيف سنقنع الفرات الأوسط بأن من ذبح أولادهم في سبايكر، لا يمثلون أهل صلاح الدين؟
التساؤلات هذه ترسم المهمة السياسية الكبيرة والصعبة التي تسير ببطء، لكن المهم في هذا الإطار، أن نتذكر أن دحر داعش كقوة قتالية أمر يتم بتضحيات غالية للشباب، لكن دحر داعش كفكرة متشددة تنمو في بيئة غضب وانفعال، يتطلب تحريك خطط كبيرة لإزالة الاحتقان الذي تستغله داعش.
ولايزال خطر داعش قائماً كفكرة غاضبة، والفكرة الغاضبة يمكن أن تعاود الظهور على وجه السرعة، وتأخذ أشكالاً أخطر، والدليل أننا كعراقيين عجزنا عن العمل معاً في أثناء عملية تكريت، ولم نحسن بناء ثقة تسمح بتشارك الدم والتضحيات بما يكفي، واللوم هنا لا يقع على طائفة دون أخرى، بل لا يقع بأكمله على العراقيين، بعد أن صارت العوامل الإقليمية والدولية تتدخل أكثر من المعتاد، في تأجيل اتفاقاتنا السياسية.
ويكفي أننا كنا سعداء بوجود محافظ صلاح الدين ورئيس مجلس المحافظة، بين آلاف الجند ومعظمهم من جنوب البلاد، واعتبرنا ذلك مشاركة رمزية لأهل المدينة، يمكن أن تتطور في باقي قواطع العمليات، غير أن الرجلين سرعان ما صرحا بالحرج الكبير أمام جمهورهما، بعد ساعات من تحرير تكريت. من المستفيد من هذه الشروخ الجديدة، ومن يقدم كل هذه المساعدة المعلنة لداعش، ومن الذي يتمنى أن تبقى داعش كفكرة غاضبة تمنع طوائف العراق من العمل بعضها مع بعض؟
ويمكن أن نتهم أكثر من طرف إقليمي ودولي بتأجيج هذه الانقسامات وسط الحرب، لكن لا ينبغي لذلك أن يعفينا من المسؤولية، إذ مهما فعل الأغراب والمندسون والطارئون واللصوص التقليديون، فإنه سيظل في وسع العقلاء تخفيف حدة الانقسام، عبر التعامل السريع والمسؤول مع الخروقات في مرحلة ما بعد داعش بتكريت. خاصة وأننا لانزال في بداية الطريق وأمامنا مهمة عسيرة غرباً في
الأنبار، وشمالاً نحو الحويجة ونينوى، ولايزال نحو خمسة ملايين عراقي يتعرضون مباشرة لويلات الحرب.
إن حسم جبهة الأنبار والتفكير بجدية في وضع الموصل، لا يمكن أن يتم قبل أن يواجه القادة العراقيون أسئلتهم الكبرى، ويحددوا ملامح الاتفاق الأمني والإداري للمناطق المحررة، لتطويق داعش كفكرة غاضبة، قبل الإطاحة بها كقوة قتالية. ذلك لأن المضي قدماً في الحرب مع مزيد من الدم والمال والسلاح، سيعرض التضحيات الغالية إلى التبديد، وسيجعلنا نخاطر بعودة داعش بصيغ أخرى، تعتاش على الغضب والشعور بالظلم والانتهاك، وحينها يتكرس الفشل السياسي كوصفة لحرب طويلة بلا نهاية معقولة.
(نقلاً عن صحيفة المدى العراقية)