شهدت القضية
الفلسطينية مؤخرا تطورا مهما على الصعيد الدولي، فقد حصلت السلطة الفلسطينية بتاريخ 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 على صفة "دولة مراقب غير عضو" في منظمة
الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي مكّنها في الأول من نيسان/ أبريل الجاري من الانضمام لمحكمة الجنايات الدولية، بالرغم من تعرض السلطة الفلسطينية لضغوطات هدفت لثنيها عن هذه الخطوة.
وفي الوقت الذي اعتبر فيه الكثير أن هذه التطورات تعدّ حدثا هاما لفتح الباب أمام السلطة الفلسطينية على صعيد ترسيخ مكانتها الدولية، ومحاسبة إسرائيل على جرائمها بحق الشعب الفلسطيني، قللّ آخرون من أهمية هذه الخطوة، مرجّحين عدم حدوث أي تغيير حقيقي على أرض الواقع.
وأكّد عدد من الخبراء والمختصين في القانون الدولي على ضرورة استغلال السلطة الفلسطينية لهذه الخطوة على الصعيد الدولي، وعدم الاكتفاء بملفي الاستيطان والعدوان على قطاع غزة، لحملها إلى لاهاي، وعرضها على المحكمة الجنائية، داعين إلى التعامل مع احتلال فلسطين، ونهب مقدراتها ومواردها "رزمة واحدة"، وليس على طريقة الملفات المجزأة.
فمن ناحيته، أفاد مسؤول الإدارة العامة للمنظمات الدولية غير الحكومية في وزارة الخارجية الفلسطينية، نافذ الرفاعي، بأن قبول عضوية فلسطين في محكمة الجنايات الدولية جاء بعد أربعة أشهر من تقديم الطلب، لافتا النظر إلى أن التوقيع على ميثاق الانضمام لمحكمة الجنايات الدولية "سابقة مميزة للسلطة، وخطوة في الاتجاه الصحيح".
واعتبر الرفاعي، أن الأول من نيسان/ أبريل 2014، هو "يوم هام في تاريخ القضية الفلسطينية"، قائلا "إن قبول العضوية في الجنايات الدولية سيوفر حماية للفلسطينيين، ويردع الاحتلال عن ارتكاب جرائم جديدة بحق الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لحملة تزوير هائلة تنفذها سلطات الاحتلال في كافة الاتجاهات"، وفق ما قال.
أما الناشط في منظمة "آفاز" الحقوقية الدولية، فادي قرعان، فرأى أن الانضمام لمحكمة الجنايات الدولية "لن يحقق العدالة في الأمور المطروحة على الطاولة من الطرف الفلسطيني".
وأضاف: "الأمر بحاجة لأن يُدعّم بتحقيق جنائي ذكي يفصل كل انتهاكات الاحتلال وجرائمه بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته"، مبيناً أن قوات الاحتلال تتعمد إخفاء أول لحظات الجريمة، وهي التي يعتمد عليها التحقيق.
وطالب قرعان بعدم اكتفاء السلطة الفلسطينية بملفي الاستيطان والحرب الأخيرة على غزة، من أجل تقديمها للمحكمة الجنائية، والعمل على الطعن في مبدأ الاحتلال كله، فهو الأساس الذي تفرعت منه بقية الانتهاكات.
حديث المختصين الفلسطينيين السابق لفت النظر إلى أمر مهم بالنسبة لقضية الانضمام لمحكمة الجنايات الدولية، وهو ما لخصه الباحثون والمختصون الحقوقيون في عدة أمور أهمها: غياب الجدية في المواضيع التي تطرحها السلطة الفلسطينية، وعدم وجود مختصين في اللجان التي تشكلها السلطة، وهو ما أيده أستاذ القانون الدولي في جامعة النجاح الوطنية، باسم منصور، قائلاً: "من المآخذ التي تسجل على السلطة أنها تشكل اللجان، وتطلب منها متابعة الانتهاكات، ولا تضع في عضويتها المختصون في الشؤون الدولية".
وأضاف: "يجب أن نراعي أننا شعب يعيش في أراض محتلة، ولا يملك السيادة الكاملة على أراضيه، لذلك يجب أن نطلب الدعم من الدول العربية الأعضاء في الجنايات الدولية، التي يقع على عاتقها رفع قضايا بحق الاحتلال وحماية الفلسطينيين".
بدورها، اعتبرت رئيسة سلطة جودة البيئة الفلسطينية، عدالة الأتيرة، أن 29 تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي (تاريخ انضمام السلطة الفلسطينية للأمم المتحدة)، يمثّل "منعطفا مهما في تاريخ الفلسطينيين، وشكل نقطة البداية للعمل على كل القضايا التي تنتهكها سلطات الاحتلال".
وقالت الأتيرة: "الاهتمام بالبيئة تجدد لربطها بمفهوم الصراع الدائر، وقد قمنا بإنجاز ملف حقيقي ومدعم في مجال انتهاكات الاحتلال للبيئة الفلسطينية، ويُستخدم في المحافل الدولية، خاصة أن هناك ما يقارب الـ 173 اتفاقية دولية تخص البيئة".
وأوضحت أن سلطات الاحتلال عمدت لاستنزاف الإرث الطبيعي الفلسطيني، وسخرته في مجال التزوير والتهويد، مؤكدة أن اتفاقية جنيف نظمت قوانين وبنود لحماية البيئة، ومنها المادة (3 من 35)، إلى جانب البند (رقم 8) من بنود محكمة الجنايات الدولية.
وأشارت الأتيرة إلى أن التطور في القانون البيئي الدولي ساعد السلطة الفلسطينية على طرح ملف البيئة في المحافل الدولية.
وقالت: "يمكن لفلسطين استغلال عشرات البنود لوقف التدهور البيئي وملاحقة الاحتلال، والاستفادة من اتفاقية "بازل" الدولية الخاصة بحماية البيئة التي وقعت عليها السلطة، كما أن إسرائيل طرف في هذه الاتفاقية"، مشيرة إلى أن السلطة تعرضت لضغوط دولية لمنعها من الانضمام لاتفاقيات حماية البيئة الدولية.