أكد باحثون ومختصون أن الطرق
الصوفية بدأت تأخذ لنفسها موطئ قدم، جديد في المشهد السياسي في القارة الإفريقية، خصوصا في السنغال ومالي ونيجيريا ودول المغرب العربي.
و يقول سيدي ولد عبد المالك الباحث في القضايا الإفريقية: إن الحضور "القوي" للصوفية ببعض الدول الإفريقية في المشهد السياسي يشكل أحد أهم أبرز الملامح السياسية بهذه الدول، خصوصا دولة السنغال.
ويرى ولد عبد المالك في تصريح خاص لـ"
عربي21" أن الصوفية أدت على مدار السنوات الأخيرة دوراً حاسما في توجيه البوصلة السياسية بإفريقيا، و قد عملت الأنظمة على استغلالها في حل الكثير من العقد والتجاذبات السياسية المحلية.
رهان سياسي على زعماء الصوفية
و تُراهن الأحزاب السياسية ببعض الدول الإفريقية على تأييد زعماء الطرق الصوفية بالنظر إلى دورهم المؤثر والحاسم في رسم ملامح المشهد السياسي مؤخرا ، ولا يمنع هذه الأحزاب في السنغال مثلاً من ذلك، سوى مبدأ "لائكية الدولة الذي ينص عليه دستور البلاد".
ومع ذلك يشير الباحث المتخصص في الشؤون الإفريقية ولد عبد المالك، إلى أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة بالسنغال، التي جرت سنة 2012، أثبتت انحسار تأثير القوى الصوفية في المشهد السياسي، حيث رفضت أكبر الطرق حضورا دعم أي مرشح رئاسي، مكتفية بإعلان حيادها في العملية الانتخابية، حسب تعبيره.
من جهته يرى الباحث الإسلامي المختص في شؤون غرب إفريقيا، سيد أعمر ولد شيخنا، أن الطرق الصوفية أدت أدوارا جيدة في دول إفريقية عدة، خصوصا في موريتانيا، وقد نجحت في تلك المهام نظراً "لحيازتها عاملين أساسيين هما: رسالية الدور بأبعاده الروحية والعلمية والإصلاحية، وثانيا خلق الأداة التنظيمية العابرة للقبائل والمناطق، وكان هذا إنجاز مهم في مجتمع انقسامي لم يعرف الدولة خلال قرون طويلة".
هل تحولت الصوفية لهياكل ذات صبغة عائلية؟
واعتبر ولد شيخنا في تصريح لـ"
عربي21" أن هذين العاملين جعلا التصوف يؤدي دوراً أكبر من دور الفقهاء وأعمق من دور رؤساء القبائل، وعندما جاء الاستعمار كانت الطرق الصوفية هي الرقم الأهم في معادلات القوة خلال هذه الفترة، سواء على مستوى مقاربتي المسالمة والمقاومة.
وأضاف ولد شيخنا: "لكن بعد اكتمال السيطرة الاستعمارية عملت المؤسسات الإدارية والأمنية على إضعاف الطرق الصوفية واختراقها، وتجريدها من شحنتها الإصلاحية، لتصبح مجرد هياكل دينية ذات صبغة اجتماعية وعائلية، غايتها الخلاص الشخصي عبر أذكار وأوراد وليس القيام بالواجب الدعوي الإصلاحي كما كانت".
وحسب ولد شيخنا فقد استمرت الدولة الوطنية المستقلة في الإبقاء على السياسات نفسها مع الطرق الصوفية، والاستعانة بها في خلق ظهير ديني لسلطانها يدعمها في المحطات الانتخابية والتحالفات السياسية، مقابل امتيازات ومصالح "وقد اشتدت حاجتها لهذه الطرق أكثر مع تنامي الحركات الإسلامية، لاسيما تلك العنيفة المتطرفة، فأصبح البعض ينادي بالاستعانة بالتصوف في مواجهة التطرف، وهو ما يمكن أن يكتب له النجاح شريطة تخلي التصوف عن التزلف " وفق قوله.
المغرب العربي والتأثر الصوفي
مغاربيا يرى الباحث والصحفيٍ أبو بكر ولد أحمد الإمام، أن الفكر الصوفي بدأ تأثيره يتزايد أخيرا في المنطقة المغاربية، بفعل التوسع الذي عرفه التصوف عبر أطره السياسية، "التي أفرزتها طبيعة الالتحام الجماهيري حول مشايخ الزوايا الصوفية، إضافة إلى تبني ممالك في المغرب لطرق صوفية واستئناسهم بنصح وإرشاد مشايخها" وفق قوله.
ويرى ولد الإمام في حديث خاص لـ"
عربي21" أن التصوف في المنطقة المغاربية ـ بمفهومها الواسع الذي يمتد ليشمل إقليم أزواد في الشمال المالي وحتى النيجر ـ يشكل محورا بارزا ضمن الحراك الديني والثقافي الذي عرفته هذه المنطقة خلال القرون الماضية.
الدور التاريخي للصوفية في إفريقيا
الباحث سيد أعمر ولد شيخنا يرى أن الطرق الصوفية في الشمال والغرب الإفريقيين، أدت تاريخيا أدوارا وصفها بالمهمة في مختلف أوجه الحياة المجتمعية من دعوة وتربية ، وبناء دول إسلامية مثل الدولة التي أقامت السنوسية في ليبيا والدول التي أقامت القادرية مثل الدولة السوكتية في نيجيريا على يد الشيخ عثمان بن فودي 1803م ، ودولة ماسنا شرق مالي التي أقام الشيخ أحمد بن لبو عام 1818م ، والدولة التي أقامت التيجانية في فوتا وأجزاء من غرب مالي في عهد الحاج عمر الفوتي (ت 1865م)،أما الدور الثاني المهم الذي نهضت به الصوفية في هذا الفضاء، فهو مقاومة الاستعمار مثل جهاد متصوفة السنوسية ضد الطليان، وجهاد الطريقة القادرية في الجزائر مع الشيخ عبد القادر الجزائري، وجهاد الطريقة الطيبية مع الشيخ بوعمامة في غرب الجزائر، وجهاد الطريقة القادرية البكائية مع الشيخ عابدين في أزواد وجنوب غرب الجزائر، وجهاد الطريقة القادرية الفاضلية مع الشيخ ماء العينين في موريتانيا والصحراء الغربية.