"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أستاذي الفاضل: في المقال السابق طلبت من حضرتكم لو سمعتم قصة مشابهة أو مغايرة لقصة زنزانة
عائشة، ألا تستغربوا لأن عشرات العائشات يعتقلن ويغتصبن بلا ذنب.
أستاذي الفاضل: أنا مرتبكة جداً، بل بركان في صدري يا إلهي غارق في بحر همي
خشية أن توقفنا أمام الله عائشة الأولى، ذات التسعة عشر عاماً فكيف بعائشة الثانية ذات الاثني عشرعاماً !
ذات يوم اتصلت بي إحدى الأخوات وقالت: اليوم كان تفتيـش في منطقـتـنا من المليشيات، فسمعنا صراخاً في بيت الجيران، وكلما حاولنا الخروج لنرى ماذا حصل إذا بالمليشيات يهددوننا بالسلاح، فانتظرنا حتى غادروا وسارعنا إليهم، فوجدناهم اعتقلوا ابنة الجيران فحزنا كثيرا.
اتصلت بإحدى الأخوات وأخذنا العنوان، ووصلنا بعد معاناة إلى بيت الأخت المعتقلة، وأول ماطرقت الباب
خرجت امرأة مسنّة قلت لها: يا خالة أعانك الله على ما ابتلاكم وفك أسر ابنتكم.
وإذا بها تسد الباب وتقول: يجوز أنك أخطأت في العنوان.
ثم عدنا وبحثـنا في منطقة مجاورة فأحضرنا أقاربهم إلى نفس الدار!
قلت لهم: طرقت الباب نفسه قبل قليل، وأنكرت المرأة المسنّة أي حالة اعتقال؟
فطأطأ قريبهم رأسه، ودموعه تتساقط أرضاً ويقول: حقهم يا أم أحمد.
قال: سأنصرف وأنت تصرفي.
فطرقت الباب ومرة أخرى فتحته المرأة المسنّة، فأقبلت عليها وقبّلت رأسها وأجهشت بالبكاء، فدخلنا المنزل والكل يبكي.
فوجدت الأسرة مكونة من خمس بنات بأعمار الزهور والأم والجدة.
فطلبت من الأم أن تتكلم.
لكنها أُغشي عليها، ولم تستطع أن تكمل.
فتحدثت الجدة وقالت: دخلت علينا ميليشيات مسلحة وأخذوا يفـتـشـون في البيت ولم يجدوا شيئاً،
وكنت أنا والأم نحاول أن نكون سداً بينهم وبين البنات.
قالت لي: يابنتي كنت فرحة جداً وأتباهى بجمال حفيداتي، لكن ياليتني شوّهت وجوههن بالنار قبل أن يروهم مليشيات المالكي ويفجعونني بإحداهن.
قالت: يابنتي خبريني؛ الجمال نعمة أم نقمة؟
فانهدّت قواي بهذا الكلام فقلت لها: أوضحي يا خالة!
قالت: عندما دخلت المليشيات بدأوا يسألون عن أسماء البنات، وعندما وصلوا للصغرى ما اسمك؟
قالت: عائشة.
وإذا بهم يسحبونها من ضفيرتها وأخذت الطفلة تصرخ ونحن نحاول عمل شيء لكنهم يضربوننا، حاولنا تخليصها لكن دون جدوى، وأرجو المعذرة من السادة القراء على هذا التفصيل لكنها الأمانة، وانتهى المطاف بعائشة بتمزيق ما عليها من ملابس بطريقة همجية واغتصابها أمام الجدة والأم والأخوات، ثم حملوها إلى السيارة ثم إلى المعتقل.
ما أشد السقطة على عالي المقام، فسحقاً لمن يتوضأ بدموع العفيفات كي يصلي في محراب المرجعيات، وطوبى لمن زادته قصة عائشة حلماً، ومنحته علماً، ومنعته إثماً، وأعطته فهماً، ووهبته عزماً."
انتهى كلام أم أحمد
العراقية الموصلية ممثلة تجمع داعيات
نينوى، وقد اكتفينا بغيضٍ من فيض ما عندها من مآسي العائشات السنّيات بالعراق، وقد آثرتْ ألا تتحدث عن نفسها وعما تعرضتْ له من اعتقال لبضعة أسابيع إيثاراً منها للحديث عما هو أولى وأوجب، وما هو متعيّن عليها من واجب الوقت وفرائض العين، وقد أحلنا القارئ الكريم في المقالة السابقة إلى ما يميط اللثام ويكشف عن شخصية صاحبة الرسالة والقصص.
لماذا تناولنا هذه القضية بالكتابة والطرح والنشر عبر منابر واسعة الانتشار في الوطن العربي والإسلامي، لاسيما مصر والسودان الشقيق واليمن المكلوم بجراح الطائفية وتركيا الصامدة؟
أين يقف ولاة الأمور في الساحة السنّية من هذه القضية؟
ما هي الانعكاسات الخطيرة لمثل هذه القضايا المتعلقة بسحق آدمية وكرامة وشرف الأنثى المسلمة السنّية، وعلى المرأة المسلمة، وعلى نفسيات الأجيال الجديدة من الشباب الذي يرى ما يحدث لأمه وأخته وزوجته على يد الميليشيات المدعومة من المجتمع الدولي جهاراً نهاراً ؟
ما الذي يراه كاتب السطور تجاه هذه القضية وذاك الحادث الجلل؟
هذا ما نتناوله لاحقاً بإذن الله.