قضايا وآراء

مات.. يموت فهو بين يدي الله!

محمد ثابت
1300x600
1300x600
شئنا أم أبينا فإن تحولات مريرة تجري انطلاقاً من الواقع المصري تصيب بالحيرة أكثر مما تصيب بالدهشة الحقيقة، ومبدئياً فإن شعوراً متنامياً لدى صاحب هذه الكلمات بأن "التوسط" الطبيعي المعتاد في عظيم الأمور صار بعيداً، حتى لدى الشرفاء المخلصين من أبناء الوطن والأمة.. ولعلها إحدى مقتضيات اللحظة التي تصيب بالحسرة أكثر مما تحسن إلى الحق، ولكن من الذي يتدبر قبل أن يكتب أو يصور أو ينشر؟                                     

بل إن تداخلاً للأمور بخاصة ما يخص القيم ومن قبلها الدين.. لم يكن أكثر الكُتاب إساءة للظن يتوقع حدوثه وداخل معسكر يناصر الحق، أو أقرب الفريقين إليه، كما أفضل القول دائما، فعندما يكتب كاتب كبير في مجال العمود الصحفي، وكان مفاجأة لما خط كلمة الحق ضد الانقلاب منذ سنة وشهور، وباح بهذا، واضطر لأن يستمر في مغادرة مصر، ومؤخراً كتب مقالاً في توصيف شاعر العامية الراحل" عبد الرحمن الأبنودي" سماه "الأبنودي مع الاعتذار لمحاسن موتاكم" والحقيقة فإنني لن أتناول الشاعر الراحل إلا كمثال، بمعنى أن الذين "سيظنون" أني أدافع عن أحد أو أقف حتى مع صديق إعلامي آخر، كان على نفس مستوى الكاتب الأول في "مواجهة" الانقلاب، وإن كان برع في البرامج التلفزيونية كـ"ضيف" ثم "مقدم برامج"، وقد رفض الأخير الحديث عن الشاعر الراحل بحال من الأحوال في برنامج له على إحدى الفضائيات المناوئة للانقلاب، وبين المساحتين والتصرفين اعتقد أن هناك مساحة جديرة بالتأمل في واقع "رجراج" ممتلئ بالشرور من حيث نحسب، وأحياناً أخرى من حيث لا نحسب أيضاً!                                        
بداية شدتني كلمة مع الاعتذار لمحاسن موتاكم، إن الكاتب ليظن إنها جملة دارجة في الأوساط الشعبية لا أكثر، وإن تجاوزها أمر يسير، وهو يستند إلى قاعدة إن الوسط العام ..أو العرف الشعبي، او فلنقل الأجواء مهياة لأن "ينقد" الراحلين الذين ناصروا الإنقلاب، وقد رحل منهم عدد غير قليل خلال الأكثر من عشرين شهراً الماضية، وما من داع لذكر أو تذكر أسماء في أوساط إعلاميين ورؤساء تحرير أو فنانيين أو حتى شعراء، وودتُ لو لم أذكر اسم الأبنودي من الأساس لسبب واضح سأفصح عنه بعد سطور ..                                                                                                    

(1)          

أعتقد إنه كان مستقراً في وجداننا، كأناس ننتمي إلى منظومة تتناول السياسة والحكم بالفكر والتوجيه بالكلمة والراي، اعتقد إنه كان متفقاً عليه في عرفنا ألا نتناول ميتاً، وذلك لتغلغل روح الحديث الشريف في أعماقنا: "من مات فقد أفضى إلى ما قدّم".. صدق معلم البشرية حسن الخلق قبل الذوق والأدب والاحترام، أي إن من مات فقد ذهب إلى رب كريم، وهو تعالى قادر على معرفة ما في نفسه .. وحقارة البشرية بداخله تلك التي دفعته لكي يؤيد "الأقذار" من البشر من أجل مصلحة هنا أو هناك، علت أم قلت، أرتفعت ام غرقتْ في الوحل، وكذلك يعرف تعالى ما قدمه الراحل.. ألكان لوجه الحقيقة ام مآرب أخرى من إبداع بالصورة أو الكلمة أو غيرهما؟ .. فلا داعي هنا إلى القول بإن الشاعر أو الفنان أو الكاتب المُتوفى لها شخصيتان سنحاسبه على واحدة .. كإبداع أو ما شابه..وبالتالي فإن محاسن "موتانا" هذه ليست كلمة متصلة بعرف شعبي .. يتم تجاوزه لإعادة إقرار منظومة فصل بين الشخص والإبداع في الموت، كما هو دارج في عرف انتقاد الفعل وعدم التجريح في الأشخاص المفترض أن تتبناه حياتنا العامة حيال الأحياء، وهو حتى ما افتقدناه بشدة عقب الإنقلاب، فلم يعد الإنقلابيون ينظرون إلى "أفعال" أو "أقوال" إنسان، مهما كان.. بعيداً عن شخصه أو وجوده..واخشى من "تسرب المفهوم" إلينا في الطرف الآخر .. بل محاولتنا تقنينه!                                                                                                                                                       
(2)

سيقول غير واحد لا داعي للمثالية في التناول بعدما حرض الراحل الأخير، وراحلون كثر غيره غداً أو بعد غد، سواء في مستوى قامته في الإساءة لمسيرة مصر او أقل او أكثر في مجاله او في مجال آخر آخر، من وجهة نظري كما في وجهة نظر غيري، ولكن صاحب هذه الكلمات يرى إن الحد الفاصل بيننا هو ما الفائدة من هذا كله؟                                                                                                                            
نقول إن "الراحل عن عالمنا" كان بعكس الصورة التي كان عليها، وعلى النقيض تماماً من شعره أو فنه أو إبداعه، هذا على مستوى كاتب، او القول بإنها أول ليلة في القبر .. فهل علمت الحق، مات يا "سادة" والله .. لن تجدي كلماتي ولا كلماتكم عنه من الله شيئاً، ولله تعالى أرحم وأكثر حزماً عليه مني ومنكم، وما تفيد الكلمات في موقف هو فيه، وعما قليل سنلاقيه، وسنكون بين يديّ الله تعالى في أدق موقف من الضعف، فلا الشماتة عفواً تزري بالميت .. ولا ذكره بما كان فيه .. قال الرسول صلى الله عليه وسلم عن أبي جهل، عمرو بن الحكم:"لا تسبوا الميت فإن يؤذي الحي .. ولا يصل إلى الميت"، او كما قال، صلى الله عليه وسلم، الأمر منته إذن .. وعما قليل سنصير إليه .. فلماذا لا نرفع أقلامنا وأقوالنا عن إنسان صار في جنب أرحم الراحمين وأعدل العادلين، ولو رحم الله مثله، أتحدث عن الدائرة المساندة للإنقلابيين بدقة ولا أتحدث عن قاتل او مشارك برصاصة، لو رحمه الله ..فكيف بنا؟!                                                    
ولله قادر على هذا، إن شاء .. وما يدرينا فقد تكون كلماتنا وبالاً علينا..جاء في الحيث القدسي إن رجلاً قال: لا يغفر الله لفلان أبداً .. فاطلع الله عليه وقال: من ذا الذي يتأله علي ألا أغفر لعبدي .. غفرت له وأحبطتُ عملك ..    والأمر ينطلق من  البعد الديني، بالفعل، للذين لا يريدون رؤيته على هذا النحو إلى البعد الانساني الذي ينبغي للنفوس أن تبالغ في "تشربه"!                                                                                                                                                
(3)

ولكننا نُذًكر الأحياء بمصيرهم ليعودوا عما يقولون ويفعلون .. هكذا نغلف شماتتنا، إن الأحياء يعرفون ما يفعلون، وهم في أقصى قرار من ضمائرهم وعقولهم ليعلمون ويعرفون إنهم على الباطل المبين .. ولا تلزمهم كلماتنا ..فلنوفر جهدنا.. والحقيقة إنهم لم يكونوا مؤدبين مع شهدائنا في رابعة والنهضة ورمسيس وغيرها من أماكن العزة، ولكنهم لم يكونوا مهذبين في تناول الموتى والشهداء .. وهم في ذمة الله تعالى .. هم كانوا كذلك وما يزالون .. والأحياء منهم لن يتوانوا عن هذا .. ولكنه لا يعني أن نبادلهم إجراماً بإجرام .. أو أن نرحم من كنا نعرف من الأموات المناصرين للإنقلاب  .. على المستوى الشخصي فقط ..                                                                                                          

ينبغي أن نراجع أنفسنا في هذا الأمر .. ومن القوم من خاض في أعراض راحلين.. وهم ليسوا من الصغار.. فعلوا على صفحات التواصل الاجتماعي.. وفيهم علماء دين ومن المتوقع أن يتجدد الهجوم مع متوفى مناصر أو متوفاة مناصرة للانقلاب جديد أو جديدة.. إن تياراً أو فكراً أو سمها ما شئت جزء من مكونها "التغني" برحيل شخص أياً من كان وصمه بما يستحق.. مجرد وصمه بذلك.. لتحتاج لمراجعة ذات دقيقة..                      
التعليقات (0)

خبر عاجل