ربما يأتي
زواج "
المهاجرين" التابعين لتنظيم الدولة من السوريات ضمن سياقات الحياة في
سوريا، فقد مرّت سوريا بكثير من المنعرجات والمنعطفات السياسية والعسكرية التي تركت آثارها على الحياة الاجتماعية للسوريين، لكن يضخم الإعلام مسألة زواج المهاجرين، ليجعلها ظاهرة، بينما هي علاقات اجتماعية محدودة فرضها واقع الحياة، ولم تبلغ بعد حجما يمكن توصيفها بالظاهرة، وفق ما يقوله سكان في المناطق التي يسيطر عليها
تنظيم الدولة في سوريا.
يقول المدرس ممدوح، المقرب من تنظيم الدولة في
ريف حلب الشرقي: "لم يأت المهاجرون بداية من أجل الزواج، ولا سيما الأوائل، فالهدف الجهاد في أرض الشام لنصرة المستضعفين وإعلاء راية التوحيد، وكان طبيعيا أن يعيش هؤلاء حياتهم عندما طال المكوث بأرض الشام" فتزوج هؤلاء المهاجرون زواجا شرعيا، حسب قوله لـ"عربي21".
ويعود زواج المهاجرين للأيام الأولى التي وُجد فيها المهاجرون على الأرض السورية، عندما كانوا يقاتلون جنبا إلى جنب مع بقية الفصائل الثورية قبل أن يحصل الشقاق والاقتتال بين تنظيم الدولة وهذه الفصائل. ففي تل رفعت وحدها قُدِّر عدد السوريات المتزوجات من مهاجرين بخمسين امرأة.
ويقول الطالب الجامعي جمعة، من ريف حلب الشمالي، لـ"عربي21": "لم تكن حالات الزواج عشوائية فوضوية، إذ إن أغلب الحالات تمت من خلال أشخاص عرفوا المهاجر وخلقه من خلال الاحتكاك به، وجل المتزوجات أخوات أو قريبات لعناصر سوريين في التنظيم، أو مقربين له".
واستغل تنظيم الدولة هذه العلاقة ليتهم الثوار لاحقا بالاعتداء على نساء "المجاهدين" أثناء الانسحاب المفاجئ لعناصر التنظيم من أعزاز وتل رفعت تحت ضربات الثوار، فقام التنظيم بحملة أسماها "الثأر للعفيفات"، هاجم خلالها مناطق في ريف حلب الشمالي، بينها تل رفعت ومارع وأعزاز.
لكن أبا محمد، المقاتل في لواء التوحيد، يتهم التنظيم بأنه "ابتدع هذه التهمة لتحميس عناصره"، ويتابع متسائلا: "كيف نعتدي على أخواتنا وأعراضنا، وقد آوت النصرة حينها نساءهم، ثمّ مهدت الطريق لهنّ للالتحاق بأزواجهن"، ولا يعرف بين أبناء المنطقة حالة اعتداء واحدة.
وتتعدد ظروف زواج السوريات، فقبل حدوث الاقتتال بين التنظيم والفصائل الأخرى، كانت تل رفعت والباب من أبرز المدن التي زوجت بناتها للمهاجرين، وقد عانت الفتيات اللائي تزوجن سابقا صراعا نفسيا، مثل مريم، من ريف حلب الشرقي، التي تزوجت عنصرا من التنظيم قبل معارك التنظيم مع الجيش الحر، ولديها أقارب في الجيش الحر.
تقول مريم لـ"عربي21": "عانيت الكثير نتيجة الحرب بين الثوار وتنظيم الدولة، فالثورة للسوريين وزوجي في الطرف الآخر. زوجي المهاجر التونسي لم يكن سيئا، وكان تعامله معي جيدا قبل مقتله في معارك مطار الطبقة. لم نكن نعلم أنه سيكون قتال بين الثوار والتنظيم، ولكن حدث ما حدث، والحمد لله على كل حال"، حسب تعبيرها.
ومع سيطرة تنظيم الدولة، وبسط سلطته تحت اسم "دولة الخلافة" على مناطق واسعة من الأراضي السورية، تكاد تنحصر حالات الزواج في صنفين، صنف المؤمنين فكريا وعقائديا بالتنظيم، أو من انخرطوا في صفوفه عمليا، ولا يرى هؤلاء أيَّ حرج في تزويج بناتهم أو أخواتهم أو قريباتهم لعناصر التنظيم.
تقول ميساء، من ريف حلب الشرقي، لـ"عربي21": "زوج جيراننا النازحون من السفيرة ثلاثا من بناتهم لمهاجرين، ولدى جيراننا أربعة أبناء في تنظيم الدولة"، ويمثل هؤلاء الغالبية.
كما لعب العامل المادي وسلطة الأمر الواقع دورا في زواج المهاجرين، ولا سيما الخليجيين، فكثير من بسطاء المجتمع يعتقدون ببقاء التنظيم، وأنَّ هوية البلد تغيرت، ولا يرون بأسا من تزويج بناتهم لرجل يملك المال والسلطة. وكان المهر الكبير أحيانا السبب في تزويج بعض العائلات لبناتها.
ويتحدث حمادي، وهو طالب جامعي من ريف منبج، عن مشاهداته قائلا لـ"عربي21": " تزوجت حسناء من قريتي قرب سد تشرين من مهاجر سعودي الجنسية بمهر تجاوز أربعة ملايين ليرة سورية".
ويضاف للصنفين السالفين صنف الأرامل اللواتي كثرت أعدادهن في سوراة، إضافة للعوانس، ففضلت تلك النسوة الزواج من المهاجرين على البقاء من دون زوج في ظروف لا ترحم أحدا.
وجل المهاجرين المتزوجين من سوريات هم من الخليجيين، ولا يعود ذلك لتقارب العادات واللهجة، ولا سيما في المناطق الشرقية لحلب أو سوريا فحسب، إنما لأنَّ أغلب فئات المهاجرين الأخرى أحضروا زوجاتهم.
ويقول المحامي حسن من ريف الشرقي، لـ"عربي21": "منذ حوالي شهرين أعلنت وكالات الأنباء عن إلقاء حرس الحدود التركي القبض على عائلة من إندونيسيا مؤلفة من تسعة أفراد". واللافت انغلاق العائلات القوقازية على نفسها، سواء كانوا ذكورا أو إناثا.
ولا يلتفت أهل الفتاة والمتزوج لمستقبل الزواج والتبعات المترتبة عليه، لأنهم لا يؤمنون ببقاء التنظيم فحسب، بل بتمدده، وبالتالي، فالمواليد يحملون جنسية "الدولة الإسلامية". وفعلا بدأ التنظيم بالعمل على منح بطاقات شخصية للمواطنين في أماكن سيطرته، أما مخاطر الإصابة وفقدان الزوج فلا تحتل حيزا في ذهن المؤمنين بفكر التنظيم، لأنهم يؤمنون بأنهم "مشروع شهادة".