قدّم الباحث مايكل بريجينت رؤية مثيرة للاهتمام قبل عدّة أيام عندما ذكر أنّ
إيران لا تريد هزيمة تنظيم "
داعش" وإنما تريد استخدامه. الفكرة الأساسية في هذا التصور هي أنّ مناطق سيطرة تنظيم "داعش" أصبحت تقع خارج إطار الدائرة التي تعتبرها إيران منطقة نفوذ مباشر لها في
العراق والتي تشكّل أولوية يجب الدفاع عنها، وهو الأمر نفسه الذي ينطبق أيضا على تصوّر حكومة إقليم شمال العراق لخطر "داعش"، فالتنظيم أصبح خارج إطار الدائرة الجغرافية التي تشكّل أولوية بالنسبة لحكومة الإقليم.
وفقا للباحث فإن التنظيم خسر سيطرته على الأراضي التي احتلها عندما تمّت مواجهته بريّا سواء في معارك في العراق أو في
سوريا، فحيثما كان يتم مواجهته برّيا كان يخسر. أمّا المناطق التي لا يزال يسيطر عليها اليوم في العراق فذلك لأنّه لا نيّة لدى القوى البرّية في تحدّيه فيها خاصّة أنها تقع خارج اهتماماتها المباشرة وخارج أحزمتها الجغرافية الدفاعية التي تشكّل أولويّة بالنسبة لها.
انطلاقا من هذا المعطى، يمكن الاستنتاج -كما يعتقد الباحث- أن القضاء النهائي على "داعش" ليس مصلحة إيرانية لأنّ استمرار التنظيم في العمل ضمن هذه الحدود يبرر للجانب الإيراني دوما البقاء في العراق وسوريا، كما يمكّنه من الادعاء بأنّ حلفاءه في البلدين هم الشيء الوحيد الذي يمنع تنظيم "داعش" عمليا من التقدم.
الأمر الذي يستدعي الانتباه في مثل هذا الطرح هو استخدام "داعش" كأداة لتحقيق أهداف أخرى من قبل الجانب الإيراني، أي استخداك "داعش" كذريعة، وهو الأمر الذي يمكن تأكيده أيضا في نموذج آخر، من خلال الادعاءات الدائمة والمتواصلة التي يسوقها بشار الأسد ونظامه في كل مناسبة يريد من خلالها أن يقدّم نفسه كضمانة ضد التنظيمات المتطرفة التي كان هو نفسه السبب في خلقها وتكاثرها في البداية عبر تهيئة البيئة المناسبة لها للظهور والنمو من خلال سياساته الوحشيّة ضد المدنيين.
بهذا المعنى تصبح "داعش" مجرّد أداة يتم استخدامها من قبل اللاعبين الآخرين، كلّ بحسب حاجته ورغبته وأهدافه وهو الأمر الذي كنّا أشرنا إليه سابقا من خلال النموذج الأمريكي. فالولايات المتّحدة الأمريكية وإدارة أوباما تحديدا كانت ولا تزال تأمل في استخدام التهديد الذي يشكّله تنظيم "داعش" من أجل خلق تقارب مع إيران من جهة، وبين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي وتركيا من جهة أخرى، وذلك على أمل أن يؤدي هذا التقارب بين هذه الأطراف إلى إعفاء أوباما من تبرير موقفه أمام حلفائه إزاء التعاون العملي الذي يحصل بين إدارته وبين الحكومة الإيرانية والحرس الثوري.
وبالفعل، فقد نجحت كل من طهران وواشنطن باستخدام "داعش" لتحقيق تقارب أكبر في الأجندات السياسية والتنسيق الأمني والعسكري. وقد بات ملف "داعش" اليوم ركيزة من الركائز التي يستند إليها التعاون الثنائي في عدد من الملفات الثنائية والإقليمية بين البلدين. أمّا الهدف الثاني، فقد فشلت الإدارة الأمريكية في تحقيقه حتى الآن، ولكنّها تلجأ على ما يبدو إلى أسلوب آخر يتم عبره الوصول إلى نفس الغاية، ولكن من خلال جهد قانوني يتمثل في ورشات عمل متخصصة لمناهضة تنظيم "داعش"، ويكون هدفها النهائي إخراج وثائق تلزم جميع الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة بمواجهة "داعش" من خلال التصور الذي يتم ترتيبه، ويتبيّن من خلال ذلك أنّ هدف هذا الجهد هو تطويع العمل العربي ولا سيما الخليجي ضد "داعش" ليتناسب مع المقاربة الأمريكية والإيرانية وليصب في النهاية في نفس السياق ، وبذلك يكون قد تم تجاوز العقبات التي من الممكن أن تحول دون تحقيق تقارب إيراني – عربي، والالتفاف عليها، باستخدام ملف "داعش".
العبرة في هذا العمل هو أنّ مثل هذه الترتيبات النفعيّة القائمة على حسابات ضيّقة ومؤقّتة والتي تنظر إلى الموضوع بشكل وظيفي وبعين واحدة، غالبا ما تؤدي في النهاية إلى نتائج أكثر سلبية على المدى المتوسط والبعيد، ذلك أنّها غير قائمة على معالجة المسبّبات الحقيقية التي أدّت إلى ولادة المشكلة وتفاقمها، وتتجه بدلا من ذلك إلى التعامل مع النتائج ومحاولات توظيفها خدمة لأجندات سياسية، وللأسف فإن تنظيم "داعش" يقومه بدوره في هذه المعادلة أيضا بشكل كامل.