كتب ياسين أقطاي: إن العنفَ الذي ينتهكُ
حقوق الإنسان وكرامته في
سوريا تحوّل إلى مجرّد إحصائياتٍ وأرقام. ونرى هذه الأرقام في تزايدٍ مستمر، حيث فقد الإنسان قيمته الإنسانية وتحول إلى رقمٍ فقط. فقد ذكرت لنا إحصاءات أن عددَ الذين فقدوا أرواحهم نتيجة بطش النظام على شعبه أكثر من 400 ألف إنسان، وسط ملايين من النازحين والمهجّرين والمفقودين، وذلك منذ انطلاق الحراك الثوري في سوريا آذار/ مارس 2011. أما الآن، فلم نعد نسمع من يتحدّث أو يتطرّق إلى عدد القتلى أو النازحين أو المدمرة بيوتهم جرّاء الحرب الدائرة.
بعد أن وحّدت المعارضة صفوفها، استطاعت تحريرَ محافظةٍ بأكملها، وهي
إدلب في الشمال السوري.
وما إن تسيطر المعارضةُ على موقع حتى تأتي بعدها براميل حقد النظام على الشعب التي لا تفرّق بين مدني وعسكري، وطفل وراشد وعجوز. وبعضُ تلك البراميل ارتقت إلى مستوى جرائم حرب لما تحتويه من غازاتٍ وموادّ سامة. وكلّ يوم نسمع عن عشرات الضحايا في حلب وإدلب بينهم أطفال نتيجة قصف النظام بالبراميل المتفجّرة التي تحوي مواد سامة. بالمحصّلة يمكن أن نقول إن سوريا أصبحت بمقربة من مليون قتيل و10 ملايين مشرّد. وهنا نسأل: هذه المجازرُ كم مجزرة تساوي من تلك المجزرة المزعومة أو ما تسمى (مجازر الأرمن)؟
يبدو أن الإدارة الأمريكية التي تشرّع معاهدات الخطوط الحمر في استخدام الأسلحة المحرّمة دولياً، لا تهتم لمصير شعبٍ بات عددُ القتلى لديه بمقربة المليون.
ومن الطبيعي والبديهي أنّ مالا تراه الولايات المتحدة لا يراه العالم. فهنالك نظامٌ مستبد فتح الحرب على شعبٍ بأكمله وقتل ما يقارب المليون وهجّر وشرّد أكثر من عشرة ملايين، والمجتمع الدولي لم ينطق ببنت شفه، ولم يتحدّث عن مجزرة أو حتى إدانة. على عكس ما تمّ تناقلهُ أو سرده، دون دلائل أو وثائق تثبت ذلك، تسارعُ دولٌ في إدانة ما تسمى "الإبادة الأرمنية". وكما حدث في البوسنة والهرسك، حيث أكّدت محكمةٌ دولية أنه كان يخُطّط لقتل 250 مليون مسلم في البلقان، فإن اللجنة المتابعة لتلك القضية قالت إنها لم تجد أحداً تلقي أصابع الاتهام عليه. هذا يعني أن هناك عملاً جنائياً واضحاً غير أنه لا يوجد مجرمٌ في الحقيقة! هذه الطبقة لا ترى الجريمة التي تحصل أمامها وتجري على مرأى الجميع، وفي الوقت نفسه يشهدون على جرائمَ حصلت في التاريخ.
رأينا اكتشاف الولايات المتحدة وأوروبا لمجازر وإرهاب تنظيم داعش في عين العرب كوباني السورية، وكيف بادروا إلى تشكيل تحالفٍ لضرب التنظيم وحماية الإنسانية هناك. لكن في الحقيقة كان هناك الآلاف في سوريا والعراق، ممّن وضعهم أخطر بكثير من عين العرب، بحاجة إلى مساعدة ملحّة ومستعجلة. مثالاً على ذلك، ترويج أمريكا عن تنظيم داعش أنه فكرٌ متطرّف ونواة إباحية تستقدم النساء إليه، ويتجاهل الأعمال الوحشية للمليشيات الشيعية التي تضع تنظيم داعش وراءها في إبادة وتهجير السنة من مناطقهم. وجرّاء عمليات التطهير العرقي هذه، يمكن أن نقول إن هنالك عملية للتغيير الديموغرافي في المنطقة. لكن هذه العملية لا تلقى أيّ اهتمام يُذكر في الإعلام الغربي.
بعد تلك الأمثلة، يمكن القول إن مصطلح الإبادة لدى الغرب يقتصرُ على فهم الإبادة لديه، ويستخدم هذا المصطلح بما يناسب مصالحه أو مصالح الدول التي يدعمها. في النهاية هي أداة يستخدمها الغرب في مواقع تفرضها عليه مصالحه ومآربه، ومن جهة يحجبها من مواقع أخرى يرى فيها ضرورة التكتم والسكوت عن المجازر. رأينا المجازر التي قامَ بها عناصر حزب العمال الكردستاني "بي كي كي" من قتلٍ وترويع وعملياتٍ إرهابية أودت بعشرات الآلاف في تركيا، لكن الغرب أدرجها تحت مسمى الكفاح في سبيل نيل الحرية. معادلةُ الغرب هذه موجودة في سوريا، حيث نظام الأسد الذي قتل ما يقرب من مليون إنسان لم يَقل له الغرب "لمَ قتلت مليون إنسانٍ سنيّ؟". وعند تقدّم المعارضة في بعض المناطق يسارعون في التأكيد على حماية الأقلية العلوية! وهذا يُظهر مدى الازدواجية لدى الغرب وادّعائهم المزيف عن حقوق الإنسان، وبعكس تركيا التي دافعت عن الأبرياء بمختلف أطيافهم وأعراقهم.
(عن صحيفة "يني شفق" التركية- ترجمة وتحرير: تركيا بوست)