نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا ميدانيا للصحافية نور سماحة، حول القتال الدائر في
مخيم اليرموك بين
تنظيم الدولة من جهة وقوات النظام والمليشيات الموالية لها والجبهة الشعبية- القيادة العامة من جهة أخرى.
تقول الكاتبة: "كانت شوارع المخيم خالية إلا من بعض المقاتلين الذين يتراكضون بين أزقته محاولين تجنب رصاص القناصين، البنايات في هذا الجزء الشمالي من المخيم مدمرة بشكل كبير، وتم خرق الجدران للتنقل من بناية إلى أخرى، دون المخاطرة بالخروج للشارع حيث ينتظر القناصة، وتغطي الستائر الضخمة تغرات كبيرة في الجدران لإخفاء حركة المقاتلين عن أعدائهم".
وتضيف أنه "في الدور الثالث من بناية مدمرة يجلس ثائر البالغ من العمر 20 عاما بوجهه الطفولي على كرسي بلاستيكي، وبندقية القنص مرتكزة على كتفه، ولا يكف عن النظر من خلال الناظور. وبقي ثائر في هذا المكان طيلة الفترة الصباحية يرقب مدخل نفق اكتشف أنه يعود إلى
جبهة النصرة، ويمشي من خلفه قائده ومقاتل آخر على رؤوس أصابعهما؛ كي لا يحدثا صوتا يلفت الانتباه لوجودهم من القوات المعادية عبر الشارع. يهمس: (انظري هناك، ذلك هو المدخل إنهم يأتون من هناك)، وكان يشير إلى ثغرة تكاد لا ترى بين ركام البناية المقابلة".
ويشير التقرير، الذي اطلعت عليه "
عربي21"، إلى أن "ثائر" هو أحد سكان اليرموك، وقاتل على مدى العامين الماضيين في صفوف الجبهة الشعبية- القيادة العامة التي أنشأها ويرأسها أحمد جبريل، وهي حليف مقرب للحكومة السورية.
وتبين المجلة أن أم ثائر وأخته غادرتا المخيم إلى منطقة أكثر أمنا في دمشق عندما تكثف القتال في المخيم قبل عامين. وبقي هو ليساعد رفاقه، واكتسب خبرة جيدة في القنص، ويقول: "أصبت الكثير من الأهداف، وأنا لست خائفا منهم، أنا لست خائفا من تنظيم الدولة".
ويلفت التقرير إلى أنه بعد عامين من القتال لم يبق من مخيم اليرموك سوى هيكله الفارغ، وازداد الوضع سوءا مع الهجمة الأخيرة لتنظيم الدولة، وتمسك كل من مقاتلي الجبهة الشعبية- القيادة العامة ومقاتلي المعارضة بالمناطق التي يسيطرون عليها، ويبدو مستقبل المخيم كئيبا، حيث يرجح أن تستمر هذه المعركة وقتا طويلا.
وتذكر سماحة أن شمال المخيم يقع تحت سيطرة الجبهة الشعبية- القيادة العامة، بينما يسيطر الجيش السوري وقوات الدفاع الوطني "المليشيات التي تدعمها الحكومة" على الأطراف الشمالية والشرقية، ويقع بقية المخيم تحت سيطرة تنظيم الدولة وجبهة النصرة ومجموعات معارضة أخرى. وتفتح المناطق الشرقية والجنوبية من المخيم على مناطق تسيطر عليها المعارضة.
وتقول المجلة إنه في أوائل نيسان/ إبريل تسلل مقاتلو تنظيم الدولة إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة من مخيم اليرموك، وهو واحد من أكبر مخيمات اللاجئين في
سوريا، وكان يؤوي 250 ألف نسمة. وبحسب المسؤولين والمقاتلين الفلسطينيين، فإن دخول المجموعات الجهادية إلى المخيم يسّرته جبهة النصرة. ونتج عن الاقتتال الذي تبع ذلك سيطرة تنظيم الدولة على المزيد من المساحات، حتى وقع 70% من المخيم تحت سيطرته، في الوقت الذي استغلت فيه الجبهة الشعبية- القيادة العامة الفوضى، وسيطرت على ما تبقى من المخيم.
وينوه التقرير إلى أنه لم تبق اليوم بناية واحدة في المخيم كما هي، واتخذ المقاتلون من بيوت الناس مقرات لهم بين الكراسي وألعاب الأطفال التي عفرت بالردم. وبينما يقال إن هناك تقارير واردة من تلك المناطق تقول إن تنظيم الدولة سلم مواقع لجبهة النصرة، فإن تقارير مجموعات المعارضة الأخرى وتقارير الجبهة الشعبية- القيادة العامة، تقول إن تنظيم الدولة ما يزال موجودا ويقاتل مع جبهة النصرة جنبا إلى جنب.
وتذهب الكاتبة إلى أنه منذ عام 2012 كان الوضع في المخيم سيئا، وعلى مدى الثلاثة أعوام الماضية عانى السكان من وجودهم في مرمى النار؛ بسبب الاقتتال الدائر بين قوات الحكومة وقوات المعارضة، كما عانى المخيم من حصار قاتل ترك آلافا من السكان بحاجة ماسة إلى المساعدات. واليوم صار وضع المخيم أسوأ؛ فحوالي 1300 مدني من سكان المخيم بقوا في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، ولا تصلهم المساعدات، ما جعلهم في أسوأ وضع تشهده المؤسسات الإنسانية.
وتستدرك المجلة بأن الصراع من أجل السيطرة على المخيم لم ينته بعد، فأحمد مقاتل شاب قد خرج بالكاد من مرحلة المراهقة، مهمته أن يتأكد من سلامة الطريق لرفاقه بينما يتنقلون بين البنايات في وسط تبادل متقطع لإطلاق النار.
وينقل التقرير عن أحمد قوله عن تنظيم الدولة: "لن أتوقف حتى يغادروا المخيم. لا مشكلة عندي في البقاء هنا في هذا الموقع وعدم النوم وحفر الأنفاق والقتال، نحن بحاجة لفعل ذلك".
وتجد سماحة أن المقاتلين الفلسطينيين الذين يقاتلون بجانب النظام لا يقاتلون فقط لحماية بيوتهم، ولكنهم يرون في أنفسهم خط الدفاع الأول للمدينة ضد الجهاديين. ويقع مخيم اليرموك على بعد ستة أميال من مركز دمشق، ويعتقد مسؤولو الجبهة الشعبية- القيادة العامة أن المعارضة خططت لدخول دمشق عن طريق مخيم اليرموك، بحسب خطة أعدها لهم مسؤول الأمن السعودي السابق بندر بن سطان.
وتورد المجلة أنه عندما بدأت المعارضة هجماتها عام 2012 تم استدعاء أبي أحمد، وهو رجل قصير القامة في الخمسينيات من عمره من لبنان، ليقود حربا مضادة، وهو المسؤول الأمني العام للجبهة الشعبية- القيادة العامة في المخيم، وكان قد قاتل بجانب جبريل في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، ويعرج بسبب جرح أصابه في بعض المعارك. ويشير إلى الأزقة التي كانت المعارضة استولت عليها من عام 2012، واستعادت الجبهة السيطرة عليها.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن حدة الاقتتال قد خفت صيف عام 2014، بينما حاولت الفصائل العمل على التوصل إلى وقف لإطلاق النار في المخيم. ويقول أبو أحمد: "تم الاتفاق على تفاصيل الهدنة، وكنا جاهزين لبدء التنفيذ في نهاية آذار/ مارس 2015، عندما قام إرهابيو تنظيم الدولة والنصرة بشن هجوم على المخيم، مدمرين الجهود السابقة كلها"، مضيفا أنه لذلك استمرت المعارك وتوقفت المفاوضات.
وترى الكاتبة أنه بسبب عدم بعد المقاتلين في اليرموك سوى أمتار قليلة عن أعدائهم، فإن المعارك انتقلت إلى تحت الأرض، والوصول إلى ساحة ريجي، التي أخذتها الجبهة الشعبية- القيادة العامة من جبهة النصرة، لا يمكن إلا عبر نفق يمتد تحت بنايات تسيطر عليها الجبهة الشعبية.
وتوضح المجلة أنه يوجد كهرباء داخل النفق توفرها الحكومة السورية لإنارة خافتة، وهناك غرفة فيها كرسي تقابله شاشات لمراقبة بعض النقاط في المخيم. وفي بعض الأماكن من النفق على المقاتلين الزحف، وجر ما يستطيعون من معدات.
ويذكر التقرير أن ابا العز الدحام، وهو رجل ضخم القامة، ويقود مقاتلي الجبهة الشعبية- القيادة العامة في شمال مخيم اليرموك، يجلس على الكرسي ويقول: "في المعركة السابقة كنا نضرب المتطرفين من الأسطح، يكونون هم على الأرض ونحن نطلق عليهم قنابل الهاون، الآن أصبح الأمر مختلفا، حيث حفرنا أنفاقا وبدأنا نضربهم من الأسفل أيضا".
وتشير الكاتبة إلى أن المجموعات الأخرى تبنت الأسلوب ذاته، حيث عرض الدحام فيلم فيديو صوره قبل أيام يظهر باب نفق، يقول إن جبهة النصرة وتنظيم الدولة حفراه، ويظهر صاروخ كاتيوشا وقد لفت عليه متفجرات يضرب باب ذلك النفق ويردمه، ويقول: "يحفرون الأنفاق كما تعلموا من حماس، ومن الذي علّم حماس وحتى حزب الله حفر الأنفاق في الماضي؟ نحن".
وتصف سماحة المخيم بأنه عالم مصغر من الولاءات التي خلقتها الأزمة السورية، وقد شهدت المعارك مع تنظيم الدولة مؤخرا تغيرا للولاءات، حيث انتقل عدد من مقاتلي "أكناف بيت المقدس"، التي تسيطر عليها حركة حماس، للقتال بجانب النظام، بعد أن قام تنظيم الدولة بقطع رؤوس عشرة من المنتمين لها، ولكن مقاتلين آخرين انتقلوا إلى جبهة النصرة وتنظيم الدولة. والآن هناك حوالي 160 من مقاتلي "أكناف بيت المقدس" يقاتلون إلى جانب النظام، بحسب المصادر الفلسطينية، ولكن الدحام لا يزال ينظر إليهم بعين الريبة، ويقول: "لا أثق بهم، إنهم الأشخاص الذين أدخلوا جبهة النصرة إلى المخيم عام 2012، كل منا يعمل هنا باستقلالية، هم يؤدون عملهم، وأنا أؤدي عملي، وأنا شخصيا لا أنسق معهم".
وتنوه المجلة إلى أن العائلات منقسمة الولاءات، فبحسب الدحام فقد اكتشف أحد مقاتلي الجبهة الشعبية- القيادة العامة أن أخاه يعمل مع جبهة النصرة.
ويتناول التقرير قصة أم يوسف، وهي ممرضة انتقلت هي وزوجها المنتمي للجبهة الشعبية- القيادة العامة، من مخيم برج البراجنة في لبنان إلى مخيم اليرموك قبل عدة أعوام، واختطف زوجها وقطع رأسه على يد المعارضة عام 2012، ومنذ ذلك الحين وهي تعمل على الخطوط الأمامية في إسعاف الجرحى، وتقول: "أسعفت زغموط الحارس السابق لمشعل، أنا أكرهه وكنت أريد قتله، حركة حماس خانت الفلسطينيين جميعهم، ولكني قمت بواجبي وساعدته كي يتحسن".
وتخلص "فورين بوليسي" إلى أن هذه الكراهية متبادلة بين المقاتلين، ففي المناطق التي سيطرت عليها الجبهة الشعبية- القيادة العامة وجد المقاتلون كتابات على الأسوار تقول: "سنلاحقكم يا كلاب الجبهة الشعبية- القيادة العامة".