كانت مبرمجة الكمبيوتر بمدينة نيويورك بانا مالك، مغرمة بالحاسبات والرياضيات منذ نعومة أظفارها، وهي أيضا شغوفة بألعاب الفيديو واستخدام البريد الإلكتروني قبل وقت طويل من إقبال الكثيرين من زملائها
الذكور على هذا المجال.
واختارت دراسة علوم الحاسبات في مستهل التحاقها بجامعة كولومبيا في نيويورك، لكنها أحست بالغربة الشديدة في هذا المناخ الذكوري الطاغي، إلا أنه كان شعورا شائعا بالنسبة إلى المرأة والأقليات الساعية للعمل في صناعة يهيمن عليها الرجال البيض.
وقالت بانا مالك (31 سنة): "لم أر الكثيرات من النساء حولي يقتحمن هذا التخصص، لذا فقد شعرت بأني لست في حاجة إلى ذلك في واقع الأمر".
وقال
الخبراء إن صناعة
تكنولوجيا المعلومات لا يشينها مجرد هيمنة المجتمع الذكوري فحسب، بل عدم قبول الآخر الذي يؤثر بدوره على الأقليات أيضا.
وقال روبن هاوزر رينولدز، وهو مخرج فيلم وثائقي عن هذا الموضوع يتخذ من سان فرانسيسكو مقرا له في مقابلة مع تومسون رويترز: "إذا لم تكن لديك مجموعة متنوعة من العاملين، فكيف سيتسنى لك تلبية حاجات تشكيلة متباينة من الناس؟".
وليس الأمر على هذا النحو دائما.
ففي فيلم تسجيلي أوضح رينولدز أن النساء لعبن دورا مهما في الأيام الأولى لعلوم الكمبيوتر والتكنولوجيا.
وكانت "آدا لافليس" وهي مدرسة رياضيات إنجليزية وابنه اللورد بايرون اللتان عاشتا في القرن التاسع عشر من النساء الرائدات في هذا المضمار.
ويرجع الفضل إلى كريس هوبر عالم الكمبيوتر والضابط بالبحرية الأمريكية برتبة أميرال إلى ابتكار برمجة تاريخية للغات في خمسينيات القرن الماضي.
وفي منتصف ثمانينيات القرن الماضي كانت النساء يمثلن من 30% إلى 40% من طلبة علوم الكمبيوتر في الولايات المتحدة. والآن تراجعت هذه النسبة إلى نحو 16%، وذلك وفقا لبيانات المؤسسة القومية للعلوم.
وقالت غوغل عملاق تكنولوجيا المعلومات إنه بدءا من كانون الثاني/ يناير من عام 2014 كانت 30% من القوى العاملة في مختلف أرجاء العالم من النساء، فيما كانت هذه النسبة في تويتر 30% وفي ياهو 37%، وذلك بحسب بيانات الشركات.
لماذا هذا النزر اليسير من النساء؟
ويخوض فيلم رينولدز الوثائقي -الذي عرض في مهرجان ريبيكا السينمائي هذا العام- في السؤال القائل: لماذا صارت صناعة تكنولوجيا المعلومات مخصصة فقط "لنادي الفتيان"؟
وقال رينولدز "إنها مشكلة ثقافية محضة. إنها مشكلة أنماط وقوالب"، تبدأ مبكرة في فصول الدراسة.
وقال إنه حتى سن 13 عاما تقريبا في المدارس الإعدادية تتقارب مستويات الفتيات والفتيان في مجالي العلوم والرياضيات، لكنهن يتوقفن عن رفع أياديهن بالإجابة الصحيحة.
وتشعر الفتيات ممن التحقن بعلوم الحاسبات في الكليات بالعزلة والغربة مثل ابنة رينولدز، ويتركن هذا المجال بسبب هيمنة الشبان المتعطشين للكمبيوتر ممن يمضون الليل والنهار أمام الأرقام والشفرات وهم يحملقون في شاشات الكمبيوتر.
وقالت جوانا كوهين وهي أستاذ مساعد للعلوم والتكنولوجيا والمجتمع بجامعة فرجينيا، إن من المتوقع أن تهتم الفتيات عادة بأمور مختلفة أصلا عن الفتيان، ويمكن أن يخلق ذلك عدم توازن بين النوعين داخل العمل مثل مجال تكنولوجيا المعلومات.
وقال رينولدز إنه إذا كانت تكنولوجيا المعلومات مادة إجبارية في مدارس الولايات المتحدة مثلما هي كذلك في بريطانيا، فستقبل الفتيات على هذه الدراسة في سن مبكرة.
وقال إنه "يتعين أن نعلم الفتيات بالفعل أن بوسعهن الانخراط في مجالات الموضة وفي السينما وجميع الأمور المحببة حقا".
وقال إن ندرة النساء والأقليات في مجال تكنولوجيا المعلومات سيخلق مشكلة اقتصادية أيضا.
وقالت دراسة نقلها البيت الأبيض إنه سيتم توفير 1.4 مليون فرصة عمل في مجال علوم الحاسبات بحلول عام 2020 لكن 400 ألف خريج سيشغلون مواقع هناك.
وقالت كوهين التي تدير ورشا مع زوجها لمساعدة المدرسين على زيادة أعداد الفتيات والأقليات ممن يتلقون دروس الكمبيوتر: "الحاجة ماسة إلى وجود نساء".
وعلى الرغم من العقبات الأولية إلا أن مالك شقت طريقها في علوم الحاسبات وتعمل الآن في كوديكاديمي، وهو موقع إلكتروني يعلم الناس كيفية إنشاء المواقع وتشفيرها إلى جانب أمور أخرى، وتقول إن نصف المستخدمين له من النساء.
وقالت بوني إيزنمان وهي مهندسة للبرمجيات في كوديكاديمي، إن فيلم رينولدز يكشف الكثير عن مشاكل صناعة تكنولوجيا المعلومات.
وقالت: "إذا حضرت اجتماعا لتكنولوجيا المعلومات فإني أواجه عادة أسئلة من نوعية ’أين صديقك؟’. إنها بيئة لا يتوقع الناس فيها مجرد وجودي بينهم".