كتب المعلق الأمريكي ديفيد إغناطيوس تقريرا، نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، عن الخطط الطموحة الأخيرة التي رسمها زعيم تنظيم القاعدة أسامة
بن لادن.
ويقول إغناطيوس إن بن لادن كان يناقش قبل وفاته بشهر في أيار/ مايو 2011، خطة جديدة تتراوح من الهدنة مع
باكستان، إلى التحالف الانتهازي مع الجماعات الجهادية التي ولدت بعد
الربيع العربي، ما سيعطيه الفرصة للتركير على ما وصفه بـ"توازن الرعب" مع عدوته الرئيسة الولايات المتحدة.
ويضيف الكاتب في تقريره، الذي اطلعت عليه "
عربي21"، أن الصورة عن بن لادن، الذي كان يعيش في قفصه ويواجه من عرينه السري في أبوب آباد في باكستان "اللعبة الكبرى" للإرهاب، ظهرت من خلال ثماني وثائق نشرت قبل عدة أشهر.
ويشير التقرير إلى أن السرية قد نزعت عن الوثائق من أجل تقوية موقف الحكومة الباكستانية ضد باكستاني يدعى عابد ناصر، ولكنها لم تلق إلا اهتماما إعلاميا قليلا. وقد أدين ناصر في آذار/ مارس؛ لدوره في مؤامرة لتفجير قطار أنفاق نيويورك، وتستحق الوثائق النظر، كما يقول إغناطيوس.
ويبين إغناطيوس أن الوثائق تظهر الفرصة التي قدمتها اضطرابات الربيع العربي لتنظيم القاعدة، وأنه كان يتحرك من أجل الاستفادة منها. فقد عانت قيادة تنظيم القاعدة من ملاحقة أمريكا لها، من خلال حملة الطائرات دون طيار، ولكن التنظيم كانت لديه خطط كبرى، حتى في الوقت الذي كانت فيه الإدارة الأمريكية تقول إنه يترنح.
ويلفت التقرير إلى أن الوثائق تظهر شخصية مختلفة لبن لادن، فهو رجل يقدم الأفكار الاستراتيجية المهمة، وفي الوقت ذاته يقوم بإدارة التنظيم باتخاذ القرارات على المستوى الشخصي بطريقة مصغرة، ويفكر في أساليب مكافحة التجسس.
ويذكر الكاتب أنه في واحدة من الوثائق يقوم بن لادن بمعاتبة أحد نوابه، وهو عطية عبد الرحمن، ويطلب منه الاهتمام بالتغيرات المناخية التي ربما تؤثر على الصومال، التي تعد واحدة من مناطق التجنيد الرئيسة للتنظيم. وفي صفحة أخرى يقترح بن لادن إرسال عناصر تنظيم القاعدة للدراسة في الجامعات؛ من أجل تعلم الخبرات التكنولوجية التي تفيد التنظيم.
ويجد التقرير أن بن لادن يتحدث بلغة أرستقراطية تعبر عن الإرهابي المثقف، كونه نسخة إسلامية عن المفكر الفوضوي في القرن التاسع عشر ميخائيل باكونين.
وتكشف الصحيفة عن أنه في فقرة من فقرات رسالته لعبد الرحمن يسأل بنوع من التشاؤم إن كانت هناك معلومات عن "عملية كبيرة داخل أمريكا". وفي الفقرة الثانية يسأله بفرح "إن كنت تعرف أخا له معرفة بالشعر فأعلمنا عنه من فضلك".
ويعلق إغناطيوس أن بن لادن وجنرالاته اعتقدوا في بداية عام 2011، أن العالم يتحرك لصالحهم، على الرغم من ملاحقة الطائرات دون طيار لهم. ويوضح عبد الرحمن "نتابع في الوقت الحالي الثورات العربية والتغيرات الحاصلة في الدول العربية". ويذكر تونس واليمن ومصر وليبيا وسوريا، ويقول: "بشكل عام نعتقد أن هذه التغيرات ساحقة، وهناك الكثير من الخير فيها إن شاء الله".
ويذكر التقرير أن عبد الرحمن يحث رئيسه لإرسال رسالة عن "ميراث الطغاة"، وأن يعبر عن تضامنه مع المحتجين، ويقول: "يمكنك دعم الثورات ضد الطغيان والفساد والإجرام والاضطهاد". ويوضح أنه قام بإرسال ناشطي تنظيم القاعدة إلى ليبيا، "حيث توجد هناك حركة مقاومة إسلامية جهادية". وقد كان وجود الجهاديين عاملا في الهجوم القاتل على القنصلية الأمريكية في بنغازي بعد عام.
ويورد الكاتب أنه في الوقت الذي كان يحاول فيه بن لادن استثمار ثورات الربيع العربي، كان يفكر بإعلان هدنة محلية مع باكستان، وبين الجماعات المتناحرة في شمال أفريقيا.
وينقل التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، عن عبد الرحمن قوله إن ناشطي تنظيم القاعدة قاموا بنقل رسالة الهدنة إلى الحكومة الباكستانية، بما في ذلك الاتصالات مع مدير الاستخبارات الباكستانية السابق حامد غول، وتم تبادل الرسائل مع مسؤول
طالباني بارز اسمه طيب آغا، الذي سيلتقي سرا مع الولايات المتحدة في وقت لاحق.
ويلخص عبد الرحمن الهدنة مع باكستان بإيجاز قائلا: "لقد أصبحتم جزءا من المعركة عندما وقفتم مع الأمريكيين. وفي حالة تركتمونا وشأننا فسنترككم وشأنكم". ووافق بن لادن، مشيرا إلى "إننا نريد تحييد من نستطيع تحييده أثناء معركتنا مع عدونا الكبير أمريكا"، بحسب الصحيفة.
ويفيد إغناطيوس بأنه في ذلك الوقت كانت الولايات المتحدة قد بدأت بعملية جس نبض سرية مع حركة طالبان. ويقال إن غول أخبر من اتصل به من تنظيم القاعدة "نضع ضغوطا عليهم (الأمريكيين) للتفاوض مع تنظيم القاعدة، حيث أن التفاوض مع حركة طالبان دون تنظيم القاعدة لا معنى له".
ويجد الكاتب أن أكثر شيء محير في الوثائق هو مزاعم عبد الرحمن أن البريطانيين يفكرون بعقد اتفاق سلام منفصل. فقد أخبر بن لادن أن ناشطين ليبيين في بريطانيا نقلوا له أن "المخابرات البريطانية تحدثت معهم من أجل معرفة موقف تنظيم القاعدة من الفكرة الآتية: بريطانيا ملتزمة بالخروج من أفغانستان في حال التزم تنظيم القاعدة بعدم ضرب بريطانيا ومصالحها". وأكد متحدث باسم السفارة البريطانية في واشنطن أن تلك المزاعم "عارية عن الصحة".
وينوه التقرير إلى أن بن لادن، الذي التزم في مكانه في أبوت آباد، كان مركزا جهوده كلها على ضرب الولايات المتحدة "في عقر دارها". ولاحظ ان النزيف البطيء لا يجدي نفعا، فقد كانت فيتنام مكلفة أكثر من أفغانستان لأمريكا، وكان يرى أن على تنظيم القاعدة وحلفائه أن يقتل عددا أكبر مئة مرة من أجل أن يصل إلى عدد من قتلوا في فيتنام.
ويخلص إغناطيوس إلى أن ما كان يحتاج إليه بن لادن، وهذا كان قبل وفاته بأسابيع، "عملية عسكرية كبيرة داخل أمريكا تؤثر على أمن وأعصاب 300 مليون أمريكي". ولم يحقق تنظيم القاعدة أو فروعه هذا الهدف بعد.