انخرط المسؤولون
الإيرانيون في مهمة حرب إعلامية شرسة، يعوضون بها كل ما كان يجب أن يقوموا به في
اليمن، ولم يستطيعوا إلى ذلك سبيلا، بعد أن أظهرت المملكة العربية السعودية، ومعها دول الخليج، هذا القدر غير المتوقع من الصرامة والحزم تجاه السياسات الإيرانية المزعجة في منطقتنا.
حتى الرئيس حسن روحاني الذي قدم نفسه في الانتخابات الرئاسية إصلاحياً معتدلاً، لعلمه أن الشارع يريد رئيساً بهذه المواصفات، أطلق تصريحات صادمة، من حيث مضمونها ولغتها. وعلى الرغم من أنها موجهة إلى المملكة العربية السعودية ونظامها السياسي، إلا أنه هنا يمارس أكبر عملية تزييف للوعي ويحاول أن يظهر أن ما يحدث هو أن السعودية تشن حرب على نظام حر وديمقراطي في اليمن.
التصريحات الإيرانية الصادرة عن الرئيس روحاني وغيره من القادة الإيرانيين، تمثل مصدر إزعاج شديد للسواد الأعظم من اليمنيين الذين يتشاركون اليوم وأكثر من أي وقت مضى، الكراهية لنظام الملالي في إيران، لأنه دفع بكل قدراته العسكرية والاستخبارية وأفرغ كل حقده الطائفي في اليمن، من خلال إنشاء فصيل مسلح وطائفي، ومده بكل أسباب البقاء، ومساعدته لفرض وجهة نظر سياسية أحادية في البلاد.
لقد استغل النظام الإيراني الوضع المضطرب في اليمن والتوازن الهش الذي خلفه سقوط الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، لينفذ إلى اليمن بصورة أقوى من ذي قبل، ويساهم في هندسة تحالف طائفي طرفاه الرئيس المخلوع وأنصاره وجيشه من جهة، ومليشيا الحوثي المسلحة من جهة أخرى.
وسرعان ما دفع نظام طهران بهذا الحلف إلى خوض معركة مصيرية مع قوى الثورة، وصادف أن لقي هذا التحرك هوى من أولئك الذين سيطرت عليهم المخاوف من الربيع العربي ومن تأثير الإسلام السياسي، بزعم أنه هو من يحرك الثورات وليس رغبة الشعوب العربية في الانعتاق من دكتاتوريات غاشمة ومُذلةٍ لهم في حياتهم ولقمة عيشهم.
كان اليمنيون يشعرون بتفاؤل كبيرٍ بعد أن أطاحوا بالمخلوع صالح، ودفعوا لذلك أثماناً، ولكنها كانت أقل مما دفعت شعوب أخرى في دول الربيع العربي. وجاء التدخل الإيراني، ليعيد إنتاج "سورية جديدة" في اليمن، وهمه الأساسي هو أن تصعد عصابته الطائفية إلى سدة الحكم، وتبقي كل القوى الأخرى على هامش السلطة، بل والحياة في بلدٍ فقيرٍ لا يحتمل هذا القدر من الاستعلاء والتسلط والاستئثار بالموارد المحدودة.
إيران تمارس دوراً خطيراً في منطقتنا، تدمر سورية وتختطف لبنان، وكانت تريد أن تصنع الشيء ذاته في اليمن. لذلك أيد اليمنيون عاصفة الحزم، ولم تكن تنقصهم الوطنية ولا الحزم، ولكن الجيش الذي بنوه وزودوه بالأسلحة من عرقهم وإمكانياتهم المحدودة، بقي مرتهنا لدى الرئيس الذي أطاحوا به في ثورة شعبية عظيمة، وتم توظيفه في غير السياق الذي وجد من أجله، وهو حماية السيادة الوطنية وصون دم الناس وكرامتهم وأعراضهم.
أسقط هذا الجيشُ العاصمة، ولم يكتف بذلك، بل فتح مخازن السلاح، ومكن المليشيا الحوثية من نهبها وأخذها على رؤوس الأشهاد وأمام الكاميرات، باتجاه عمران وصعدة، وكان بهذا التصرف يوجه طعنة قاتلة لكرامة الجيش ولثقة الناس بهذا الجيش. لكن طهران سرها هذا التصرف من جانب الرئيس المخلوع والجيش الموالي له، واحتفلت بهذا الإنجاز.
اليوم تورط الجيش في مهمة أقذر من تلك بكثير، لقد تحول إلى عصابات منفلتة، ومضى يدك المدن على رؤوس أهلها، ويساند مليشيا طائفية على كسر شوكة الناس والمس بكرامتهم، مستغلاً ما لديه من أسلحة وعتاد ومؤمن وذخائر، تعود في الأصل للدولة وللشعب. ذلك كله دفع الناس إلى الخروج في مهمة لصون الكرامة، حملوا المتاح من الأسلحة وبدؤوا بمحاربة ما كان يفترض أنه جيش اليمن.
الجيش اليوم بدا مناطقياً وطائفياً بصورة صارخة، ربما بالقدر ذاته الذي ظهر به جيش بشار الأسد في سورية. لم يعد أمام هذا الجيش وأمام المخلوع صالح من خيار سوى الانسحاب أو المضي في إطالة أمد الحرب الأهلية حتى آخر طلقة، ومعها سيخرج مدحوراً، كما يخرج أي جيش محتل من أراض يحتلها.
كانت صعدة هي المنصة الصلبة التي أعدتها طهران لتوجيه صواريخها السياسية والحربية معاً تجاه الرياض، ولكن صعدة لم تعد كذلك اليوم، كل الإمكانيات التي كانت تعول عليها إيران لم تعد موجودة تقريباً.. ومنذ مساء الجمعة تتعرض صعدة لأعنف قصف جوي وبري من جانب القوات المسلحة السعودية، بعد المغامرة غير المحسوبة التي أقدمت عليها مليشيا الحوثي الإيرانية، بضربها سكان نجران المجاورة، وتسبب ذلك في نزوح الآلاف من سكان المحافظة عاشوا ما يشبه الارتهان لدى المليشيا طيلة السنوات العشر الماضية.
من المعروف أن نجران فيها أقلية زيدية وإسماعيلية، وبعض من هؤلاء يشكلون مصدر إمدادٍ مادي للمليشيا الحوثية. وبالتأكيد "الكاتيوشيا" المحدودة وبعض قذائف "الهاون" أصابت عدداً من هؤلاء، فيما يمثل رسائل شديدة السوء من جانب المليشيا لمنطقة يحاول الحوثي نفسه إظهار أنها أقرب إلى اليمن منها إلى المملكة.
إيران تدفع المنطقة إلى مستويات خطيرة من الاستقطابات الطائفية، وبالنسبة لليمن ترك نظام الملالي في طهران بسياساته العدوانية جروحاً غائرة في جسد اليمن، نحتاج إلى أن نعالجها بدأب وصبر، وبالتحلي بما تبقى لنا من روح الانتماء الوطني، لكي تندمل، ونستأنف بعدها حياتنا العادية على أديم منهك وبإمكانيات لم تعد محدودة بل شبه منعدمة.