نشرت صحيفة هافنجتون بوست تقريرا حول التغييرات التي سيشهدها مجال
الدعاية والاتصال في العشرية القادمة، ورد فيه أن هذه التغييرات التي ستشمل وسائل الإعلام وعادات المستهلكين واستراتيجيات
الشركات التجارية، ستكون مهمة، ولكنها لن تكون بحجم التطور الهائل الذي شهدته السنوات العشر الماضية.
وأشارت الصحيفة في هذا التقرير الذي أعده كل من الخبير في الدعاية باسكال هنرار، ورجل الأعمال والخبير في وسائل الاتصال الحديثة باتريك بييرا، إلى أن
التسويق في الماضي كان هو المتحكم في سلوك العملاء، فقد نجحت الشركات في زيادة استهلاك الناس لمنتوجاتها من خلال اختراع "فترة التخفيضات الموسمية، وبرامج الترويج، ومواسم استهلاك بضائع معينة"، وهو ما جعل الناس يصبحون خاضعين لمخططات التسويق، ويعدلون ميولاتهم الاستهلاكية الجماعية حسب التأثير الذي تمارسه العلامات التجارية عليهم.
وأكدت الصحيفة، في هذا التقرير الذي اطلعت عليه "عربي21"، أن الأمور في المستقبل ستكون مختلفة؛ لأن الزبائن أصبحوا أكثر وعيا بدورهم، ولم يعودوا مستسلمين للحملات الدعائية كما في السابق. ولهذا، فإن الشركات التجارية مضطرة لتعديل طرق عملها، بما أن الناس أصبحوا حذرين، ويقومون بالبحث عبر الإنترنت ومقارنة جودة وأسعار البضائع، كما أنهم يشعرون أن شراء منتج معين يشبه انتخاب مرشح معين، أي إن الأمر ينطوي على مضاعفات سياسية واقتصادية ويعكس مواقف العميل من الشركة، ولم تعد عملية الشراء بسيطة كما في الماضي.
وأضافت أن المستهلكين أصبحوا يهتمون بالجانب الأخلاقي، والجوانب البيئية لعملية الإنتاج، ويعاقبون الشركات التي لا تحترم حقوق العمال، أو تضر بالبيئة وتستعمل مواد غير قابلة لإعادة التدوير، حتى لو كانت هذه الشركات تعرض أسعارا تنافسية.
كما ذكرت الصحيفة أن الشركات التجارية لم يعد بإمكانها القيام بالدعاية من خلال
الإعلانات الطريفة والمسلية، فرغم أن المستهلك يستمتع بمشاهدة هذه الإعلانات، فإنه أصبح يعتمد معايير أخرى عند قيامه بعملية الشراء، ولهذا ستكون الشركات مطالبة بتمييز نفسها عبر تقديم دعايات تحمل فكرة وعمقا، وتتبنى مبادئ نبيلة، وتعبر عن حيويتها وجديتها في خدمة الزبائن. كما أن الشفافية سيكون لها دور في تحديد الاختيار، لأن الحريف يريد التعرف على مميزات المنتج وإيجابياته وسلبياته كافة.
وقالت الصحيفة إن الشركات تعمل على إنشاء وسائل اتصال خاصة بها، لأنها لا تريد في المستقبل الاعتماد على وسائل الإعلام التقليدية، بل تريد الوصول لحرفائها بشكل مباشر مع التحكم في الرسالة الموجهة والتحكم في وسيلة الاتصال، واختيار الفئة أو الشريحة المستهدفة دون الاضطرار لعرض الدعاية على كل الأشخاص، المعنيين وغير المعنيين بها.
وأكدت الصحيفة أن الطفرة التكنولوجية ستتواصل في العشرية المقبلة، وستواصل العمل على الاستجابة لحاجة الناس للترفيه والتواصل والاطلاع على المعلومات. وكما قامت العلامات التجارية ببث دعاياتها عبر الشاشة الصغيرة للهاتف الذكي، فإنها ستقوم ببثها في المستقبل على شاشات السيارات التي تسير دون سائق، والأجهزة التي يتحكم فيها الحاسوب، خاصة وأن الإنسان في هذه الحالة سيكون لديه متسع من الوقت ليبقي نظره على الشاشة، وبالتالي سيشاهد الدعاية.
وبحسب الصحيفة، فإن المنافسة بين وسائل الإعلام خرجت من المحلية إلى العالمية، لأن التقنيات الرقمية أسقطت كل الحواجز القائمة بين الدول، وبذلك توسعت أيضا المنافسة الترويجية لتشمل كل الشركات من مختلف أنحاء العالم، بعد أن كانت تسيطر عليها مجموعة من الشركات الكبرى. وأصبحت القنوات والمجلات المحلية تسعى لكسب متابعين جدد في قارات أخرى عبر الإنترنت.
ولكن في المقابل، حذرت الصحيفة من أن وسائل الإعلام أصبحت خاضعة للتلاعب من جهات متحكمة في الشبكة العنكبوتية؛ فمحرك البحث غوغل على سبيل المثال يمكنه بدرجة كبيرة تحديد المواقع التي يزورها المستخدم؛ لأن طريقة عمل هذا المحرك ليست محايدة أو عشوائية كما قد يظن البعض، فهي تقوم بتوجيه الناس لزيارة مواقع معينة.
كما أن موقع فيسبوك أيضا يتحكم في الأشياء التي يشاهدها المستخدمون، وقد استغلت الشركة المالكة للموقع هذه النقطة للحصول على مبالغ كبيرة من الشركات التي تريد عرض علاماتها التجارية أمام زوار الموقع.
وذكرت الصحيفة أن الناس الآن يدفعون المال مقابل شراء جرائد ومجلات ومشاهدة قنوات مشفرة تحتوي على دعايات ترويجية، وأكدت أن هذا النظام المختلط سينتهي خلال السنوات العشر القادمة؛حيث سيتكمن الحرفاء الميسورون من متابعة وسائل الإعلام مدفوعة الثمن، والتمتع بالبرامج عالية الجودة، دون التعرض لإزعاج الومضات الإشهارية. أما بقية الحرفاء الذين يريدون مشاهدة البرامج مجانا، فسيكون عليهم مشاهدة الومضات الإشهارية، وقبول تدخل الشركات التجارية في مختلف تفاصيل البرامج المعروضة.
وأضافت أن وكالات الدعاية ستفقد الكثير من قيمتها؛ لأنها لن تكون الوحيدة التي تقوم بالترويج للعلامات التجارية، إذ ستتقاسم هذا الدور مع متدخلين آخرين، مثل مطوّري المواقع الإلكترونية، وكاتبي سيناريوهات الأفلام والمسلسلات، ومنتجي البرامج. وبذلك ستتراجع الومضات الإشهارية التقليدية لتفسح المجال أمام الدعاية المبطنة، التي تستهدف لا وعي المشاهد في أثناء متابعته برنامجه المفضل.
وفي الختام، أكدت الصحيفة أن الواقعية والمصداقة سيكونان مفتاحا النجاح في المرحلة المقبلة، والشركات التي تريد التميز والفوز بثقة الزبائن، سيتوجب عليها التفكير بعمق لإثبات الجدوى من وجودها والاستجابة لمتطلباتهم، من خلال التعبير عن التزامها تجاه المستهلك والمجتمع والبيئة، بطريقة حقيقية وصادقة. أما العلامات التجارية التي لا تفكر إلا بتحقيق الربح السريع، فإنها تسير نحو الاندثار.