نشرت صحيفة لاكروا الفرنسية تقريرا حول توقيع
المغرب وفرنسا على تعديل اتفاقية
التعاون القضائي القائمة بينهما، وصفت فيه هذه الخطوة بأنها بمثابة مصالحة بين البلدين، ونقلت في الوقت ذاته مخاوف المنظمات الحقوقية من أن تأتي هذه المصالحة على حساب قضايا تمس
حقوق الإنسان.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي اطلعت عليه "عربي21"، إن الاتفاق الجديد يجرد وزارة العدل الفرنسية من حقها في التحقيق في القضايا الحساسة في المغرب، المتعلقة خاصة بجرائم التعذيب، ليبقى العمل على هذه القضايا حكرا على وزارة العدل المغربية.
وذكرت أن اللجنة الفرنسية لحقوق الإنسان تستعد لإصدار بيان يحذر السلطات الفرنسية من خطورة هذا الاتفاق الذي يتعارض مع التزامات
فرنسا الدولية، ويدعو البرلمان الفرنسي لرفض هذا الاتفاق.
وقالت الصحيفة إن الحكومتين الفرنسية والمغربية كانتا قد وقعتا في السادس من شباط/ فبراير الماضي، في الرباط، على بروتوكول تكميلي لاتفاقية التعاون القضائي، وهو ما اعتبره المراقبون علامة على المصالحة بين البلدين بعد سنة من التوترات والخلافات.
وبحسب الصحيفة، يعود أصل هذا الخلاف إلى ثلاث قضايا تعذيب تم رفعها في فرنسا ضد رئيس المخابرات المغربية، عبد اللطيف الحموشي، حيث طلب القضاء الفرنسي منه الحضور للاستماع إليه، أثناء زيارة له لباريس في 20 شباط/ فبراير 2014، وهو ما أثار غضب المملكة المغربية، التي قررت وقف التعاون القضائي مع فرنسا، وتجميد كافة الملفات، سواء كانت متعلقة بالشؤون الأسرية، أو نقل السجناء، أو القضايا الأمنية.
ونقلت الصحيفة عن هيلين ليجاي، من جمعية مكافحة التعذيب، أن "فتور العلاقات بين البلدين ما كان له أن يستمر، بالنظر للعلاقات القوية التي تربطهما، والمصالح الاقتصادية والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، ولكن هذه المصالحة كانت بمقابل".
وينص هذا الاتفاق التكميلي على أنه "بهدف ضمان أفضل ظروف التعاون القضائي بين الطرفين، يجب على كل قاض فرنسي بصدد التحقيق في جريمة أو جنحة تم ارتكابها على الأراضي المغربية من قبل شخص مغربي إعلام وزارة العدل المغربية، والتنحي عن القضية في حال قرر القضاء المغربي التكفل بالتحقيق".
ونقلت الصحيفة عن القاضية والمستشارة في محكمة النقض، ريني جولن، أن "إمكانية تنحي قاض فرنسي عن التحقيق، لفسح المجال لقاض أجنبي، تتعارض مع القوانين الفرنسية، وهي تعد تعطيلا لسير العدالة، كما أنها تتعارض مع القوانين الدولية، ومعاهدة مناهضة التعذيب، التي وقعت عليها 156 دولة في سنة 1984".
وقد أعلنت منظمة العفو الدولية أنها تستعد لنشر تقرير في 19 أيار/ مايو الجاري، يتضمن معلومات حول 173 حالة تعذيب تم ارتكابها في المغرب بين سنة 2010 وسنة 2014، وسيكون مرتكبوها في مأمن من العقاب بموجب هذه الاتفاقية، بحسب المنظمة.
ورأت الصحيفة أن هذا الاتفاق يعني أيضا أن كل شخص مشتبه به في قضايا الإرهاب سيتم ترحيله للمغرب، ليكون عرضة للتعذيب والحرمان من محاكمة عادلة، كما أن ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان سيكون عليهم ملاحقة جلاديهم أمام القضاء المغربي.
وأضافت، نقلا عن ريني جولن: "إن الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان تمنع إرسال ضحية أو مشتبه به إلى دولة لا تضمن احترام حقوق الإنسان وشروط المحاكمة العادلة".
ونقلت الصحيفة عن باتريك بودوان، المحامي في الجامعة الدولية لحقوق الإنسان، أن "هذا الاتفاق يفتح الباب للإفلات من المحاسبة، رغم أن فرنسا مطالبة، بحسب المعاهدات والقوانين الدولية، بممارسة صلاحياتها حتى خارج حدودها في عدة أنواع من القضايا، خاصة الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية والتعذيب والإخفاء القسري، من خلال ملاحقة المشتبه بهم، والتحقيق معهم أثناء تواجدهم على أراضيها، وهو ما شددت عليه المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في مذكرة وجهتها لباريس في سنة 2009.
وقالت الصحيفة إن العديد من المنظمات الحقوقية، الفرنسية والدولية، عبرت عن بالغ قلقها من هذا الاتفاق المخالف للدستور الفرنسي والقوانين الدولية، وطالبت النواب الفرنسيين بالتصويت ضده. ولكنها رأت أن هدف هذه المنظمات هو ممارسة الضغط لتسليط الأضواء على هذه القضية، لأنها تعلم جيدا أن موافقة البرلمان الفرنسي على هذا النص من عدمها تبقى مجرد شكليات، كما أن المعاهدات الدولية تعد من صلاحيات السلطة التنفيذية.
وذكرت أن الحكومة تحاول دائما ضمان الدعم اللازم لهذه الاتفاقيات قبل عرضها على البرلمان، كما أن النواب ينظرون بإيجابية لهذه المصالحة الفرنسية المغربية، وهو ما يعني أن هذا القرار سيتم تمريره بشكل سلس، قبل القمة المزمع عقدها بين البلدين في باريس، في 28 من أيار/ مايو المقبل، بحضور رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس ونظيره المغربي عبد الإله بنكيران.
وأضافت أن من بين نتائج هذه المصالحة بين البلدين، أن عبد اللطيف الحموشي، الذي حاولت الشرطة الفرنسية في السنة الماضية اعتقاله والتحقيق معه في قضايا تعذيب، سيتم تكريمه في فرنسا ومنحه وسام الشرف؛ "اعترافا بدوره الفعّال في التعاون في مكافحة الإرهاب".
وفي الختام، قالت الصحيفة إن المنظمات الحقوقية بدورها بصدد تحضير ردها على هذه الخطوات، سواء من خلال العمل داخل البرلمان الفرنسي، أو مع المحكمة الدستورية الفرنسية والمؤسسات الأوروبية والدولية المعنية بهذا الشأن.