عند منتصف ليلة الثلاثاء الماضي أوقفت
قوات التحالف غاراتها على معاقل ميليشيات صالح والحوثيين نزولا عند
هدنة إنسانية كان قد أعلنت عنها قبل خمسة أيام من بدء سريانها، وعلى أمل أن توقف المليشيات حربها الاجتثاثية ضد الشعب
اليمني.
وكنت أعتقد أن صالح والحوثيين سيلتزمون بهذه لثلاثة أسباب مشتركة بينهما:
أولا: حاجتهم الماسة إلى إظهار الوجه الأخلاقي والإنساني بعد أن تشوه بكل قبيح ورذيلة، وباتوا في نظر الشعب مطلوبين للعدالة وأمراء حرب، ومرتكبي جرائم ضد الإنسانية.
ثانيا: هم أيضا بحاجة إلى هذه الهدنة من أجل ترتيب صفوفهم وإعداد استراتيجية جديدة للحرب وإعادة الانتشار وتوزيع السلاح، والتواصل مع الشخصيات المدنية والعسكرية والنافذة في المجتمع اليمني والقول لهم إننا نحن المسيطرون وأصحاب القوة والغلبة، وبالتالي فإن من مصلحتكم التحالف مع من هو مسيطر على الأرض.
ثالثا: تحتاج مليشيات صالح والحوثيين إلى هدنة من أجل الاستفادة من المساعدات الإنسانية، خاصة المتعلقة بالمشتقات النفطية وهي محرك أساسي لحروبهم الاجتثاثية ضد الشعب اليمني.
وهذا وضع يتطلب توحيد في الصفوف وتماسكا في الجبهة الداخلية، وهي في اعتقادي متماسكة، لكن ينقصها الخبرة والقيادة والسلاح ويمكن تقسيمها في مستويين:
جبهة الهلال الشرقي البيضاء مأرب الجوف، وهذه قد تحتاج إلى السلاح.. لكنها لا تحتاج إلى تدخل بري لأن رجالها أولو بأسٍ شديد وهم قادرون على إدارة معركتهم.
والجبهة الأخرى تقع في المناطق الجنوبية: تعز لحج عدن.. وهذه بحاجة ماسة إلى السلاح وإلى قيادات عسكرية ماهرة في إدارة المعارك، خاصة عدن التي لن يمكنها مطلقا حسم معركتها إلا بتدخل بري لأن أبناءها الساحليين لا قدرة ولا خبرة لهم في الحروب وحمل السلاح.. وقد قدموا كل ما يمكنهم وسقط من أبنائها الكثير من الشهداء والجرحى، ولا بد من فعل على الأرض مواز لما يقوم به طيران قوات التحالف.
الآن وقد التزمت قوات التحالف بالهدنة الإنسانية لخمسة أيام يظهر خبث
الحوثيين ومكر صالح، ومحاولة خرق الهدنة ونسف بنودها، رغم توضيحات العميد العسيري الناطق باسم قوات التحالف بأن الهدنة المتفق عليها ملغية في حال خرقها من قبل مليشيا صالح والحوثيين، وهذا ما تسعى إليه، وليس أدل على ذلك من الرتل العسكري الكبير الذي تم إحباطه والسيطرة عليه قبل وصوله إلى تعز عبر مخلاف شرعب بعد خمس ساعات من الهدنة.
نحن أمام خصم لا يحصي خسائره، ولا يأبه بها، فيما الطرف المقاوم يهمه كل قطرة دم تسفك في صفوفه، فجلهم من الاختصاصيين المؤهلين: أطباء ومهندسين ومحامين وإعلاميين ومعلمين وفنانين وناشطين حقوقيين، فيما الطرف الأثيم هم مليشيات مسلحة من شقين: قوات النخبة اليمنية "الحرس الجمهوري" الذين تمردوا على قائدهم الشرعي وهو الرئيس هادي، وهم على كفاءة عالية في القتال. والشق الآخر مليشيا الحوثيين المتدربين جيدا في طهران وبيروت وأسمرة، وبالتالي فنحن أمام قوتين غير متكافئتين ولا بد من تدخل بري عاجل لإنقاذ عدن.
سيسجل التاريخ أن قبائل شمال الشمال في ذمار وصنعاء وعمران وصعدة سمحوا - بل ومنهم من دفع- بأبنائهم للذهاب لقتل وتدمير أبناء تعز وعدن ولحج، دون أن يمنعوهم، بل تلذذوا بمقتلهم، ولم يراعوا أي حرمة للدماء أو للإخاء لأنهم تعودوا على العمل "بنادق للإيجار" ومرتزقة بحسب الطلب.
وتبقى هناك مخاوف حقيقية وكبيرة من سيطرة مليشيات صالح والحوثيين على المساعدات الإنسانية أو بيعها للأهالي بأسعار مضاعفة من أجل تمويل حروبهم النازية، ومعلوماتي المؤكدة أنه يوجد في عرض البحر قبالة السواحل اليمنية 33 ألف طن بنزين، و67 ألف طن ديزل، جميها مملوكة لشركة النفط الحكومية، وهي تحت إدارة وتصرف الحوثيين، بمعنى أنهم سيضعونها تحت تصرف مجهودهم الحربي.
وفضلا عن ذلك، يوجد بواخر محملة بالغذاء "قمح ودقيق وزيوت" وأدوية، تنتظر دخولها إلى اليمن، وهي بملكية القطاع الخاص، ولا أظن أنها ستكون بمنأى عن أيدي صالح والحوثيين.