يوما بعد يوم تنشب الثورة المضادة مخالبها في قادة ورموز ثورة
25 يناير التي تنظر إليها السلطة القائمة وأذرعها الإعلامية والقضائية باعتبارها جريمة
خيانة وطنية، يستحق كل من قادها أو شارك فيها عقوبة الإعدام أو المؤبد، أو الحظر، وهو ما يجري تنفيذه بالفعل، وكان آخره قرار محكمة جنايات القاهرة يوم السبت الماضي بإحالة أوراق الرئيس المدني محمد مرسي وعدد كبير من رموز الثورة إلى المفتي في قضيتي التخابر ووادي النطرون.
وفي اليوم ذاته، أصدرت محكمة الاستئناف حكما بحظر روابط الألتراس واعتبارها منظمات إرهابية بحجة ممارستها للعمل السياسي، والمقصود هنا هو مشاركتها في ثورة 25 يناير وما تبعها من أحداث وفعاليات ضد المجلس العسكري، وهما مجرد حكمين في عداد عشرات أو مئات الأحكام الانتقامية من ثورة يناير ورموزها باعتبارها خيانة واعتبار ثوارها مجرمين.
استهداف الثورة والثوار كان ولا يزال يمثل "ثأر بايت" لقوى النظام القديم وفي القلب منه قيادة المؤسسة العسكرية التي استشعرت خطار حقيقيا على نفوذها ومصالحها غير المشروعة عقب انتخاب الرئيس مرسي بشكل خاص، وهي التي ما فتئت تمارس تحركاتها لوأد الثورة في مهدها منذ أيامها الأولى، بدءا بنزول قواتها إلى الشوارع بحجة حماية الأمن العام، ومرورا بالدور المشبوه الذي اتضح لاحقا في معركة الجمل، والذي لعب فيه السيسي شخصيا دورا خبيثا حين كان رئيسا للمخابرات الحربية.
وظهر لاحقا أيضا أنه هو الذي كان يدير معركة الجمل، وأنه طلب من القيادي الدكتور محمد البلتاجي مغادرة ميدان التحرير تجنبا للصدام مع أنصار مبارك القادمين للميدان، كما كان رجاله يعتلون أسطح الفنادق المحيطة بميدان التحرير، وكانوا هم القناصة الذين قتلوا عددا من
الثوار دون أن يعرف أحد حتى الآن أسماء القتلة.
توالت المؤامرات على الثورة ورموزها بعد ذلك، ونشط المجلس العسكري في الإيقاع بين الثوار، مرة بلغم التعديلات الدستورية في مارس 2011 ( معركة الانتخابات أولا أم الدستور) والتي لم يحترم المجلس نفسه نتيجة التصويت عليها بإبدالها بإعلان دستوري شامل، ومرة أخرى بصناعة عشرات الائتلافات الثورية الوهمية لسحب البساط من تحت أقدام الكيانات الثورية الحقيقية، وبث الفتن بين الثوار وتقريب بعضها على حساب البعض الآخر، والدخول في مواجهات وعمليات تكسير عظام لبعض القوى الثورية في جولات متتالية، سواء في ميدان التحرير نفسه، أو ماسبيرو، أو العباسية إلخ.
حاول قادة المجلس العسكري السابق تأجيل الانتخابات البرلمانية لأجل غير مسمى لإفساح المجال أمام حكمهم المباشر، وتغييب أي رقابة شعبية على تصرفاتهم، ولكنهم اضطروا للقبول بإجرائها عقب مليونية 19نوفمبر 2011، والتي انتهت بمعركة شارع محمد محمود المؤلمة.
وحين اقترب موعد الاستحقاق الرئاسي نشط العسكر مجددا في محاولة هندسة الأمور لتأتي النتيجة بشخصية عسكرية، وبعد استبعاد اللواء عمر سليمان حشدت المؤسسة العسكرية إمكانياتها خلف الفريق أحمد شفيق رغم حالة الفتور التي كانت تكتنف علاقته بالمشير حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري حينئذ، وأشاعت قوى النظام القديم وفي القلب منها المؤسسة العسكرية أن النتيجة محسومة لصالح شفيق، وتحركت وحدات من الحرس الجمهوري بالفعل إلى مقر سكن شفيق لتأمينه باعتباره الرئيس الجديد.
لكن النتيجة جاءت صادمة بفوز الدكتور محمد مرسي، في ظل فوران ثوري كان لا يزال مشتعلا في الشارع، ولم تكن المؤسسة العسكرية قادرة على مواجهته خاصة بعد اصطفاف القوى الثورية في اجتماع فندق فيرمونت الشهير قبل أيام قليلة من إعلان النتيجة.
معارك الانتقام من ثورة يناير وقواها الرئيسية، وفي القلب منها جماعة
الإخوان، كانت سابقة للانتخابات الرئاسية، وقد كشف جانبا من هذه المؤامرة تسريب صوتي مؤخرا لرئيس حزب الوفد السيد البدوي مع شخصية كبيرة يعتقد أنها قيادة أمنية، أخبرته خلال التسجيل أن الإخوان سيذبحون في أسرة نومهم، وأن مليشيات مجهولة الهوية ستلاحقهم، وستقتلهم، وستحرق بيوتهم ومقارهم، وهو ما حدث فعلا لاحقا، وهذا يكشف من ناحية أخرى أن التعلل بفشل إدارة مرسي للخروج عليه في 30 يونيو 2013 كان ادعاء باطلا.
لم تقتصر معركة الانتقام على الإخوان فقط، وإن نالوا النصيب الأوفر منها، لكنها شملت كل قوى الثورة الحية الأخرى، فحركة 6 أبريل أصبحت حركة محظورة تماما كما هو الحال مع الإخوان، ورئيسها ومؤسسها أحمد ماهر ونائبه محمد عادل وعدد من رموزها هم رهن الحبس الآن، وتحركاتها تحت الحصار، حتى اضطر نشطاؤها للجوء إلى الصحراء لتنظيم مظاهرة رمزية، وها هو الناشط اليساري علاء عبد الفتاح والناشطة اليسارية منى سيف والناشط أحمد دومة رهن الحبس أيضا.
كما أن العديد من نشطاء الثورة ورموزها الأخرى تحت الملاحقة والمطاردة، فالروائي علاء الأسواني لم يعد يجد مكانا في وسائل الإعلام المصرية، وزميله بلال فضل اضطر للهرب خارج البلاد، ومثله فنان الثورة رامي عصام، وها هو الإعلامي الساخر باسم يوسف يمنع من الظهور وتبعته زميلته ريم ماجد، وقبلها يسري فودة إلخ.
وبعد حظر جماعتي الإخوان و6 إبريل واعتبارهما كيانين إرهابيين، ها هو حكم مستأنف جديد باعتبار روابط الالتراس كيانات إرهابية، وبالتالي تجريم الانتماء إليها، وذلك عقابا لرابطة التراس الأهلي والتراس الزمالك على مشاركتهما الفعالة في ثورة 25 يناير حيث كان شباب هذه الروابط يلهبون حماس المتظاهرين بأهازيجهم وألعابهم النارية، وقد ظلت هذه الروابط وفية للثورة، وخاصة بعد استشهاد 74 من مشجعي النادي الأهلي، وحوالي 40 من مشجعي نادي الزمالك في موقعتين كانت الشرطة هي المتهم الرئيسي فيهما.
الشاهد أن الانتقام الذي تمارسه الثورة المضادة طال جميع فصائل ورموز ثورة 25 يناير، والغريب أن هذه الفصائل الثورية لاتزال "منفسنة" من بعضها البعض لأسباب لم يعد لها محل من الإعراب أمام هذا الانتقام المتصاعد، وما إن تجد هذه القوى الثورية طريقا لتوحيد جهودها ضد حكم العسكر والثورة المضادة، فعليها أن تنتظر المزيد من الضربات التي قد تجعلها أثرا بعد عين.