من حق الشعب
الفلسطيني ومناصري حقوقه أن يضعوا الأيادي على القلوب قبل أن يلج ممثلو الرسمية الفلسطينية أروقة الهيئات الدولية. فأي ثمار ستجنيها فلسطين إن كان العمل الدولي سيجري بالمنطق ذاته الذي حكم السلوك التفاوضي عبر ربع قرن؟!
باشرت الرسمية الفلسطينية تحركها في زيوريخ بتعطيل أعظم موجة لعزل نظام الاحتلال عن ملاعب العالم. ولا يتعلق الوزر باللواء
جبريل الرجوب وحده؛ لأنه بأدائه المرتبك يصدر عن نهج سابغ على الرسمية الفلسطينية برمتها.
إنها الرسمية التي أمعنت في "دبلوماسية سحب الملفات"، التي تلقي معها بأطواق النجاة للجانب
الإسرائيلي في مآزقه. ولم يكن إحباطها ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين في خريف 2010 بموجب تقرير غولدستون؛ سوى حلقة واحدة فقط من سلسلة ممتدة في الأروقة الدولية، لم تتم مصارحة الشعب الفلسطيني بحقائقها.
تحركت الحملات وتعاظمت الضغوط لعزل الاحتلال عن ملاعب العالم، فجاءت استجابة الرسمية الفلسطينية في الجمعية العامة للاتحاد الدولي لكرة القدم، المنعقدة في زيوريخ، إحجاماً في لحظة الحقيقة عن مسؤولية الإقدام. أعلن اللواء الرجوب إحباط الحملة العالمية، وبدلاً من خوض موقف جريء لمناجزة الاحتلال صدم المراقبين بأن مدّ ذراعه أمام المجتمع الدولي لمصافحة الرياضة الإسرائيلية التي نهضت على أنقاض الرياضة الفلسطينية.
في صميم المشهد ما يوجز دوراً وظيفياً يريده بعضهم للسلطة الفلسطينية، بأن تكون حاجزاً عازلاً يمتص الضغوط المتزايدة على الاحتلال من اتجاهات شتى، وأن تنهض جسر عبور إضافياً للسياسة الإسرائيلية عبر المنطقة والمحافل الدولية، مع إسدال الستار على حقوق الشعب ومطالبه ونضاله التاريخي والاكتفاء بفتات مغلف بالعلم الفلسطيني. وكما تقف قوات الأمن الفلسطينية فاصلاً بين الجماهير المنتفضة وقوات الاحتلال؛ تنتصب الرسمية الفلسطينية بنهجها هذا حجاباً عازلاً بين حملات الضغط الشعبية وتنزيلها في الواقع في لحظة الحقيقة.
جدير بجولة زيوريخ أن تكشف الستار عن شروط التحرك الفلسطيني على المستوى الدولي، وما تكتنفه من عوامل ذاتية وموضوعية تجعله مفتقراً للجدية في مواجهة الاحتلال، وعاجزاً عن مناجزته، علاوة على افتقاده استقلال القرار. فالرسمية الفلسطينية برهنت للجميع أنها قد تمارس هواية التصعيد اللفظي أحياناً، لكنها تبقى قابلة للإخضاع ببعض الاتصالات الضاغطة.
ما لا يجوز إغفاله؛ أنّ منطق مد البساط الأحمر تحت الاحتلال لا يقيم دولة "قابلة للحياة" بل كياناً جاهزاً للرضوخ، فما الذي يُرجَى من مؤسسات تتنفس من فضاء الاحتلال، وتلتقط ما يُلقى إليه من فتات المجتمع الدولي وفق معادلة مشروطة بالتزامات مغلّظة؟
إنّ جولة زيوريخ هي نموذج مصغر ومستوفي الأركان لمعادلة الحضور الفلسطيني في المستوى الدولي. وقد جاء الموقف الرسمي الفلسطيني فيها ليعفي الاحتلال من كلفة مواجهة العالم، وليزيح عنه الحرج ويلقي عنه أعباء سياسات القهر التي يتبعها. ويبقى السؤال؛ كيف سيباشر هذا الموقف مناجزة الاحتلال في الهيئات والمحاكم الدولية وهو لا يجرؤ على مواجهته في الملاعب؟
إنّ السلوك الرسمي الفلسطيني على منصة "الفيفا" هو خذلان للشعب الفلسطيني وحركته الرياضية، وصفعة للجهود المدنية لعزل الاحتلال ومحاصرته حول العالم أيضاً. وفي محصلة هذا النهج أنه يعيق مسيرة الاستقلال الفلسطيني، ويمنح نظام الاحتلال ومؤسساته حصانة من العقاب.