يواجه إقليم الشرق الأوسط موجة من الاضطرابات غير المسبوقة نتيجة لكثرة الصراعات وتعقد الأزمات بين دول الإقليم وصعود دول وتراجع دول أخرى، ومازالت دول الطوق (تركيا – إيران - اسرائيل) التي تحد المنطقة العربية تلعب دورا مؤثرا في رسم خريطة التغيرات في المنطقة، خاصة بعد ثورات الربيع العربي حيث أصبحت تركيا وإيران أكثر تأثير في المنطقة وتمحورت حول الدولتين مزيدا من الدول والحركات السياسية، وهذا تجلى في المحور التركي القطري (المحور السني الإخواني) والذي يضم جماعات الإسلام السياسي في المنطقة، والمحور الإيراني (الشيعي) التقليدي، والذي يضم بغداد وبيروت ودمشق وأخيرا انضمت صنعاء له. وهذا يجعلنا نبحث عن مدى التنسيق والتفاهم بين أنقرة وإيران ورؤية الأحزاب التركية لهذه العلاقة خاصة في إعادة ترتيب التحالفات والأولويات في منطقة الشرق الأوسط تلك العلاقة بين قطبين كبيرين لابد أن يتنافرا ولكن حدث تجاذبا للتضاد.
أولا: العلاقات بين العدالة والتنمية وإيران:
منذ 2003 والنفوذ الإيراني يمتد في منطقة الشرق الأوسط خاصة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وازدياد نفوذ طهران في العراق وفي نفس العام وصل حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم بقيادة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان (الرئيس حاليا)، والذي تبنى سياسة تصفير المشكلات والتي انهارت بعد ثورات الربيع العربي.
1- قبل الربيع العربي كانت القضية النووية لإيران كانت أبرز ما يحكم العلاقة بين البلدين، واستطاعت إيران أن تجعل أنقرة صوتها الدبلوماسي في الشرق الأوسط والعالم من خلال دفاع تركيا المستمر عن برنامج إيران النووي ورفضها لأي عمل عسكري ضد المنشات النووية الإيرانية وتفضيلها الحل الدبلوماسي والتفاوضي، وتنديد أنقرة الدائم بعزم إسرائيل بتوجيه ضربة لإيران، وتوصل إيران لاتفاق تسوية مع دول 5+1 رحبت انقرة باتفاق لوزان واعتبرته يعزز السلام بالمنطقة.
2- وبعد الربيع العربي ظهر تنافس بين أنقرة وطهران على استقطاب دول الربيع العربي، وإدعاء أن دول الربيع العربي تسير على طريق الثورة الإسلامية في طهران وامتداد لها أو تحذو حذو تركيا في بناء ديمقراطية عصرية تتوافق مع مبادىء الإسلام المعتدل والذي يمثله حزب العدالة والتنمية، ولكن جوهر الصراع هو بسط نفوذ أو نوع من الوصاية على المنطقة خاصة في المشرق العربي والبحر المتوسط، فمن يحكم سوريا يحكم لبنان لذلك ترغب تركيا في كسر النفوذ الإيراني هناك ومن يحكم القاهرة يتحكم في كل القرار العربي وهذا ما سعت إليه تركيا في عهد مرسي.
3- إن دخول تركيا سياسية المحاور السياسية والاصطفافات الطائفية قد يؤثر على علاقاتها بإيران، وهذا قد تجلى في رفض البرلمان الإيراني زيارة أردوغان الأخيرة نتيجة دعمه لعاصفة الحزم واتهم إيران بالسعي للسيطرة على المنطقة والتي تقودها السعودية ضد مليشيات الحوثي المدعومة إيرانيا.
4- ويسعى حزب العدالة والتنمية للموزانة بين علاقته بإيران ودول الخليج خاصة بعد العزلة الخليجية التي تعرضت لها أنقرة بعد قطع علاقاتها مع مصر بدعوى الانقلاب العسكري على مرسي، كما أن الدوحة أهم حلفاء تركيا تدعم استمرار بقاء العلاقات بين طهران وانقرة خاصة بعد كلمة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد في القمة العربية الأخيرة، والذي دعا طهران لتغليب سياسة حسن الجوار مع دول الخليج لبسط الاستقرار في المنطقة وهو ما تنادي به أنقرة.
5- ورغم كل هذا التنافر السياسي إلا أن التجاذب الاقتصادي قوي واستراتيجي لكلا البلدين فطهران تصدر 95 بالمائة من إنتاجها من الغاز الإيراني، وتعتمد أنقرة عليه بـ 20 المائة من احتياجتها، كما أن زيارة أردوغان الأخيرة لطهران والذي وقع ثمان اتفاقيات أبرزها في مجالات الدبلوماسية والصحة والتعليم والصناعة، كما أنه يتوقع بعد رفع العقوبات الغربية عن طهران أن تضخ تركيا استثمارات في إيران تقدر بـ90 مليون دولار، وهنا جاء وقت الفوز بالغنيمة الاقتصادية بعد الجهد السياسي والدبلوماسي الشاق في الدفاع عن البرنامج النووي الإيراني حتى الوصول إلى التسوية، ورفع العقوبات، وتسعى أنقرة لتكون من أضخم الدول التي تستثمر في إيران بعد رفع العقوبات، وأن يكون لها اليد العليا نتيجة لما بذلته من جهد دبلوماسي مساند لطهران.
ثانيا: رؤية الأحزاب التركية للعلاقات مع إيران
يواجه حزب العدالة والتنمية منافسة شرسة مع أحزاب المعارضة في الانتخابيات البرلمانية التركية المقرر اجراؤها الشهر المقبل، بقيادة حزب الشعب الجمهوري، وحزب الحركة القومية وحزب الشعوب الديمقراطي الكردي الذراع السياسي لحزب العمال الكردستاني المسلح، وتسعى الأحزاب للمشاركة في تشكيل الحكومة التي انفرد بتشكيلها حزب العدالة والتنمية لأكثر من 10 سنوات، ومنع تغيير النظام السياسي من البرلماني إلى الرئاسي، وإعادة رسم شكل العلاقات الخارجية لتركيا خاصة دول الجوار.
1- حزب الشعب الجمهوري: هو الحزب الثاني في البرلمان التركي وأكبر المنافسين لحزب العدالة والتنمية، يعتبر ملف السياسة الخارجية لتركيا من أكثر الملفات الملغمة أمام الحكومة التركية إذا شاركت فيها أحزاب المعارضة نتيجة فشل سياسة تصفير المشكلات مع الجيران والتي رسمها وزير الخارجية السابق أحمد داوود أغلوا خاصة بعد الربيع العربي، فالسفراء الأتراك غير موجودين في العواصم التالية دمشق وتل أبيب والقاهرة، كما أن العلاقات متوترة تجاه الحكومة المركزية في العراق والحكومة المعترف بها دوليا في ليبيا.
ويرى حزب الشعب الجمهوري والذي يقوده كمال كلتشلدار أوغلوا، أن تركيا عليها أن تتعامل حسب المصلحة العليا للدولة التركية دون أن تتبنى سياسات طائفية، أو تدخل في دائرة المحاور التي أفسدت العلاقات مع دول الجوار التركي، وهذا ما تفعله حكومة دواود أغلوا الآن ومن قبلها أردوغان والذي يتبع سياسة طائفية ضد العراق وسوريا، ويستخدم تنظيم الدولة في العراق والشام (داعش) لتحقيق أهداف تلك السياسة كما يتبع سياسة المحاور السياسية بالتحالف مع الدوحة في قطع العلاقات مع مصر وأدي ذلك إلى برود وتوتر في العلاقة مع دول الخليج، وتستهدف استراتجية حزب الشعب الجمهوري خلق سياسة خارجية متوازنة بعد أن رحب الحزب بالتوصل لاتفاق لوزان. تؤدي هذه السياسة إلى دمج العلاقات السياسية والاقتصادية في مسار واحد مع إيران.
2- حزب الشعوب الديمقراطي الكردي: هو الذراع السياسي لحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا ويقود الحزب صلاح الدين ديمرتاش، وتتباين المواقف السياسية لحزب الشعوب تجاه إيران حيث يري الحزب أن إيران تقمع النشطاء الأكراد في الشمال الغربي من إيران، والذين يطالبون بمزيد من الحقوق والحريات للأكراد في إيران دفع حزب الشعوب لتنظيم مظاهرات في مدينة ديار بكر التركية للتنديد بمقتل مواطنة كردية في مدينة مهابدا الإيرانية الأسبوع الماضي، إلا أن موقف الحكومة التركية المناهض لتسليح الأكراد في مدينة كوباني (عين العرب) السورية في مواجهة داعش وتأييد إيران حليفة نظام الأسد والذين يقاتلون تنظيم داعش على الأرض في سوريا والعراق، يدفع الحزب في تكوين علاقات جيدة تحافظ على المصالح التركية.
3- حزب السعادة التركي: هو وريث حزب الرفاه الذي كان يقوده نجم الدين أربكان، أو بمعنى آخر هم رفقاء من هم في السلطة الآن، ويقود الحزب حاليا مصطفي قامالاك، والذي تداوم الحكومة التركية على اتهامه بتلقي دعم إيران خاصة بعد توجيه حزب السعادة في مارس الماضي دعوة للرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد، وساند نظام الرئيس بشار الأسد في قمع المظاهرات المطالبة برحيله، كما ظل حزب السعادة يندد بسياسات تركيا نحو سوريا، وقد قام مصطفى قامالاك بزيارة دمشق ولقاء الرئيس الأسد في يناير 2012م ما أثار غضب الحكومة التركية.
ويرى حزب السعادة بضرورة تناغم السياسة الخارجية لتركيا مع إيران خاصة في مكافحة الإرهاب في كل من سوريا والعراق.
الخلاصة: مع قرب الانتخابات البرلمانية التركية، والتي تحدد مستقبل السياسة التركية في المنطقة على أنقرة بذل مزيد من التعاون مع إيران لتحقيق استقرار في اقليم الشرق الأوسط المضطرب.